أنامُ لا لأحلُمَ بل لأتركَ الحلْمَ للآخرين، لعلّه يوقظُ النائمين. كحبّة ترابٍ أنام؛ وأحلُم أن أصيرَ شجرةً أو زهرةً على سياج قديمٍ يحرسُه النسْيان. في قلبي شتاءٌ بنوافذَ كثيرة، وفي فمي نبيذٌ من ارتعاشات العصافير تحت المطر.كصخرةٍ أنام؛وأحلُم أن أصيرَ سماءً أو هواءً قارساً. في قلبي عشبٌ يلاعبُ غيماً ويخبّئ خلفَ ظهره ساقية.كحكايةٍ أنام؛ بين شفاهٍ مغْمَضة،وأحلُم أن أصيرَ صدىً لقبيلةٍ على حبْلِ صوتها عبرَتْ مزرعةُ الريح.كأغنيةٍ أنام؛ وأحلُم أن أصيرَ وتراً ضائعاً بين البنفْسَج والياسمْين.كالبحر أنام؛ وأحلُم أن أصيرَ غرقاً بكامل حديقته من اللآلئ والمرجان.كغابةٍ أنام؛ وأحلُم أن أصيرَ توتاً يُطرّز البراري بالأسرار الحمْضيّة. وكيَدٍ فوق جبين أمنيةٍ أنام؛ وأحلُم بشارعٍ طويل يمدُّ ظلَّ طفولتي على رصيْف الذكريات.كقمرٍ على سجّادة الليل أنام؛ وأحلُم أنّ إمرأةً تضيءُ أصابعي بفضّة المساء وذَهَبِ قلْبها. وأنّ شرفةً مشرقةً بين صدْرها تشدُّ حقلَ التّين إلى جسدي. وخْزُ العتْمة يُحرّك بُرَكَ الملْح في دمي، وينامُ على أنفاسي البطيئة جذْعُ الوقْت. وأحلُم أنّ طائراً بلوْن شعرها ينقرُ النجوم، فتنثالُ الوشوشات كالأغْنيات على سطح جلدنا الرطْب. وأنّ خريفاً انتظرنا على الباب طويلاً، فصار شبَحَاً من القبُلات يطاردُ حواسّنا في الغياب.ككمنجةٍ بين أحضانِ الموسيقى أنام؛وأحلُم أنّ نوارسَ بيضاءَ تحملُني على غمّازات الموج إلى ابتسامات الزنبْق في الفجر. وأُبصرُ على خاصرة البحر مراكبَ صيّادين ترمي النهّار عن شباكها وتدخلُ لجّة الإيقاع على خيْط أغنياتٍ رفيع. وأحلُم أن ناياً شقَّ ثوبَك عن لحن السنابل وهي تموجُ في حقل جسمك المذهّب بالاستدارات، فألملمُ الكواكبَ نمشاً على شاطئ كتفيْك الرمليّ. وأذكرُ في الحُلْمِ أنّ بعضاً منّي اختبأ بين النافذة والستارة كقطٍ يُطاردُ بعينيْه الحافيتين أثرَ الفراشة على جدار الليل وهو يتكسّر كالحليب بين شفاه الوردْ. وأغرَقُ في حلُمي إلى بساتين الكستناء وهي تغزلُ شعرَك بعطرْها الصيّفي، وخُصَلُ الشمس تتدلّى كفاكهةٍ استوائية من ضفيرةٍ فتّشتُ عنها في محطات القطارات، بين رفوف المكتبات، وفي عناوين الصحف، فلم أجدْ صورةً لها سوى على مقْعَدٍ فاتَ موعدُه مع الألوان. وكقنديلٍ على زيته البطيء أنام؛ وأحلُم أنّ ممراً ضيّقاً تتمدّدُ فيه روحي كقيثارة غيْمٍ على شبّاك المطر، يأخذُني إلى مراعي الضوء وهو يُنْزِلُ أثداءَ العتْمة الأخيرة من سقْفِ العالم. ويمرُّ شتاءٌ بين أصابعي على قطْن جبينك، وصهيلُ دمي يذكّرني بأنّ الكرزَ أول السفر وآخر التعبْ. وأحلُم أنّ مرآةً أقطفُ منها وجهاً وأرمي آخر، فأراكِ دخاناً يُطاردُ حرائقَ غاباتي. وتنامين قمراً في خاصرتي، وعرساً للصّنوبر في مخيّلتي. وأمرُّ على حُلْمِك البعيد كحمامٍ شاردٍ في فمِه غصنُ الرّيح وبين جناحيْه قلبٌ مهجور.