الموسيقى مسْكنُ الخائفين من الوداع. قلتُ هذا وانتفضتِ كأقدامٍ تمتحنُ الأرضَ بالفرح. لم أكنْ محارباً قطْ. تعرفين ذلك، وتراوغين جبهةَ الحزن في ملامحي كفجرٍ كاذب. لم أتحسّسْ الوردَ بالسّيف، ولم أشعلْ ذكرىً عند منتصف الشهوة، ولمأقضُمْ عينيْك الحلوتين تفاحةً لظنوني. كان الحبُ بيننا وديعاً كحمامِ الأرض. وكان سؤالاً نوْرسيّاً للبحر. وللبحرِ أسرارٌ لا يدوّنُها سوى الهواء. والهواءُ توأم الطيران. كم مرةً تركتُ أسئلتي المالحة على الشاطئ البعيدِ عن يديْكِ، وأنتِ تُعدّين المساءَ اللطيفَ لخيالي؟ وأفوتُ على عطرٍ نسيَ جلدَنا في الحريق، فتندلعُ في رأسي حديقةٌ. وأشمُّ الحبرَ على أوراق الشجر، وأخبّئُ بين الحصى شهَقاتِ القلَمْ. ورأيتُ في منامي أنّ طيوراً تقتاتُ من سريري النعاسَ الأبيض، ومن شبّاكي ضجرَ الكلام. وسألتُ عنكِ بين الحقول الليلكيّة، فلمْ يعرفْكِ أحد. وقال بحّارةٌ غرباء أنّك حملتِ الموجَ فاكهةً للسفر بين السنابل والريح. وعبرتِ جسدي لغةً للنحل تشقُّ في العسلِ ثوبَ الزهر ومجازَ السكريِّ في الدم. وكنّا إذا غرقَ البحرُ في حزننا الرمليّ، أوقدنا ذهَبَ الليل زبداً. وكان عصفورٌ يلجُّ في رأسي، وأنتِ تكنُسين قفصَ أفكاري من أوهام الطيران. وتقولين لي: لا تسألْ عن أحوال التراب في الأبجدية، وعن حروف العلّة في الفخّار. وكانت يداكِ تمسحان جِرار الفقْد في ظهري الناحل بينابيعَ المساء الفضيّة، وتُكحّل نظرةَ القمر الباردةَ بدفء الشتاء. وخرجتِ بهيّةً كوسادةٍ من الحُلمْ، وبقيْتُ أنا متدثّراً بالحلُم كفراشةٍ بالضوء.