ما اتعس حظّي منك أيها البحر. ليس لسفري فيك شاطئ وليس لقلبي عليك صخرة. للناس فيك مراكب شتّى وأنا دوني منك سعة. قد مرّ بي العمرُ موجاً من لدنك ينكسرُ. لا سرّ لي اليك استقر ولا خبر منك اليّ افترّ. كأنّي بخارٌ منك يصّعد أو قطر فوق ظهرك ينسكب. ما لك يا بحر تحملُ الدنيا خِفّاً ويثقل على قلبك قليلُ أملاحي. تذود عن مبُحر فيك مغامر، وعني يقصر مددك ويندحر. لا أنا صيّاد لأرمي بين يديك شباكي ولا تاجر لأغرز في عيونك كل منارة، ولا محارب لأمتطي فوق جيادك الزرق كل كريهة. أنا سمكة ضلّت طريقك أيها البحر فأمسكها الهواء بيدين جافتين. يخنقها مثل الضوء رويداً رويداً. أقترب منك فلا أجدك إلا مغادراً. أصرخ إليك فلا أسمع منك جواباً، وأركض نحوك فلا تترك لي مع الرمل سلاماً. آتيك نهاراً فتدير لي وجهك الأبيض، وآتيك ليلاً فتستر عنّي أنفاسك المُزبدة. ما لك أيها البحر لا تكلمني؟ هل أصابك مني حجر أو فاتك مني موعد؟ أنا لم أرمِ فيك سوى رسائل حب قديمة ولفائف أمنيات بلّلها الانتظار. وأنا لم أسبح فيك أيها البحر إلا تجرّداً من عاداتي وتقرّباً من أحوالك المشهودة. رميت اليك بنفسي كي تردّها إلى منزلها الأول. وحاولت الغرق فيك فأشهدتَ القمر على اكتمال جنوني. ثم خرجت منك طريّاً كيدٍ خضراء من تحت الأعماق. وكان كلما حاصرني جدار أو طوّقني دار اندفعت إليك كشرارة حلم صباحيّ جميل. لو كان لي عليك نافذة أيها البحر الطيّب لغدوت لي سريراً للغربة، ولغدت السماء من فوقي بريداً للعودة. لكنك بعيد أيها البحر . أتراك حزيناً مثلي؟ أم أنّ موجك قد أنهكته عقاربنا بعدما ضبطها الفساد على منتصف إنسانيّتنا؟ هلّا ضحكت في وجهي كي أكسر زجاجات خوفي؟ أنا على الرصيف القريب أقف وحيداً فلا تمرّ بجانبي عارياً كالشمس. أيها البحر ما أتعس حظك مني!