بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

11 كانون الأول 2020 12:00ص أيّها الصوتُ ارجع لي!

حجم الخط
هادئ صوتي؛ هل أبحثُ عنه في غابة؟ وحزينٌ صوتي؛ هل أثقبُ حجراً وأرتقبُ بكاءَه؟ وعذْبٌ صوتي؛ هل أفتّشُ عنه خلفَ نُعاسِ الينابيع؟ وأبيضٌ صوتي؛ هل طارَ مع سرْبِ الحمام الشريد؟ وباردٌ صوتي؛ هل تاهَ وسط أحشاء الثلج؟ وضيّقٌ صوتي؛ هل أكسرُ جوْزةَ الصّدى، فأعثرُ عليه؟ ومُريدٌ صوتي؛ هل أسأل عنهُ النّايَ الراهبَ؟ ووسيعٌ صوتي؛ هل ارتطمَ بالأفلاك واختنقَ باللانهائيّة؟ وشحيحٌ صوتي؛ هل ردَّه الموتُ إلى حَلْقِ الرُخام؟ وملونٌ صوتي؛ هل صار لحناً في فم عصفورٍ طليْق؟ وكئيبٌ صوتي؛ هل سقطَ في ضَجَر النّهر؟ وخافتٌ صوتي؛ هل امتقعَ وجههُ من خِفَّة الوقت؟ وصدئ صوتي؛ هل نام على حدِّ الذاكرة؟ وضاحكٌ صوتي؛ هل انفجرَ من شِدَّة الأمل؟ وبحثتُ عن صوتي طويلاً فلم أجدْه. قلّبتُ نردَ الكلمات ورميتُه على سجيّة الحبر، فلم أُبصرْه. أرهقتُ الفجر بالأعناقِ الإسمنتيّة، ولم ألمحْ صداه. أين صوتي؟ حفرتُ فيَّ بلا طائل. 

حكيف يهجُرني صوتي، فأصيرُ شجرةً مُقاصَصةً أو غيمةً معذّبَة. هل أكلهُ الذئبُ أم استأنسَ بالقطيع، فتبِعَهُ. أم أعجبَهُ طاووسٌ، ولم ينتهِ من وصفهِ البديع؟ أم يتعلّمُ الحكمةَ سراً من الجدّةِ البومَة؟ أم أنّه ضاع في الصحراء بين التاريخِ والسراب؟ أم مرَّ على شاعرٍ وساعدهُ في إصلاح سرير المعلّقات؟ أم أطال النظرَ إلى لوحةٍ مقموعةٍ، فصار صوتَها الحرّ؟ أم عرَّج على طفلٍ فقير، فصار هديّته الحُبلى؟ أم رأى عجوزاً استخفّتْ به الريحُ، فصار عكازَه الأمين؟ أم فاتَ على موعدٍ مؤجّلٍ لحبيْبين، فصار معقداً وقصيدة؟ أيّها الصوتُ لما أقلْتني من العبارة، ولم تتركْ لي سوى مِزَقٍ من الإشارة؟ اضربْني بعصاكَ كلّما نهرتُ بك ضِفةً أو عبستُ بوجهِ صفصافة. واخترْ لي ما شئتَ من السّيوف أو الخشب. ولك منّي ما ادّخرتُه من نوافذِ الشتاء، وما أنفقتُه على أبواب الصيْف. ولكَ جسمي ملعباً، وروحي مسرحاً. ولكَ ما يتبقّى من شبَحي في البيت، وما ينزُّ من دمي فوق الشراشِف. ولك مني ظلٌّ أتعَبهُ العمرُ، وحلْمٌ ضئيلٌ بين الكتُبِ، ومناديلُ وقتٍ لم أستعملْها. ولك فيَّ يا صوتي الغريب عرسُ العازبِ في التراب، وحجرُ الوصيّة. ألا أيّها الصوتُ فارجعْ لي، ألا أيّها الصوتُ فارجعْ لي.  



أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!