بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

9 تموز 2021 12:00ص البراغماتية اللبنانية

حجم الخط
تطغى البراغماتية على كل فلسفة أخرى عند اللبنانيين. فهي الأقرب إلى فطرتهم، والأكثر انسجاما مع ممارساتهم اليومية. وهذه الفلسفة الأميركية الأصل تعتقد ببساطة بأن أي فكرة إنما تكون صادقة بقدر ما تكون مفيدة. وعليه فإن المبادئ التي نعتنقها أو التصورات التي نأخذ بها في حياتنا لا يمكنها بأية حال من الأحوال أن تكون سابقة على واقعنا العملي ومتطلباته. وليست قدرة التكيّف عندنا نحن اللبنانيين بخافية على أحد من العالمين كلما كان لنا من هذا التكيّف ثمة منفعة تفي حاجة النفوس العمليّة التي نحن عليها منذ نشأتنا. اما النفوس القليلة التي تتطلع نحو المبادئ وتكابد في سبيلها فليس لها من مقام بيننا. وليس عكس ذلك من القول أو التظاهر بالأفعال سوى مزاعم جوفاء لا ينهض دليل عملي عليها. فوسط هذا الانهيار العظيم أو التبخّر شبه الكامل لثروات الناس تحت حرارة الانفجارات السياسية في المنطقة وامتدادات عصفها في بنيان الكيان اللبناني لا يزال المواطن هنا يجري حساباته بمقتضى القسمة التي تضمن له شروط البقاء ليس بالحد الأدنى فحسب بل بما يرسم من حوله شبكة متداخلة من المصالح والتقاطعات التي تؤمن له الحد الأقصى من الكسب المتوافق مع خصوصية المرحلة الآنية. الدولة في هذه الحسبة هي مجرد مرْكب قد شارف على الغرق الصامت. فالكل يبحث عما يظن أنه طوق نجاته الوحيد من الأمواج العالية التي يثيرها كل واحد من الأطراف في وجه الآخر. فشلت الثورة أو ما قيل عنها أنها كذلك في أحد تشرينات لبنان لأن الدولة كشيء واحد مشترك وقائم بذاته ليست مطمعا لأحد. البراغماتية اللبنانية تعني أيضا طوعية اقتسام الدولة في الخفاء والفعل، والابقاء عليها في الظل والكلام. اليس الكلام ظلا للنوايا؟ معظمنا يعيش اليوم في كنف البراغماتية التي تبرع الأحزاب المختلفة فيها. فكل حزب قد انجز ثورته منذ زمن بعيد وأخذ ما يريد أخذه. الحديث عن ثورة تحوكها المبادئ الوطنية أو الإنسانية عموما يعني ببساطة التنازل عن لبنانيتنا!


أخبار ذات صلة