بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

22 تشرين الثاني 2019 12:05ص التاريخ يحرِقُ أيضا!

حجم الخط
في الأوقات العصيبة وعند المحن الكبرى، على المرء أن يراقب خطوط الحركة المختلفة التي تسير عليها التطورات والأحداث. مراقبة أو بالأحرى ترقّب هو جزء من احتياط واجب إزاء تداخل تلك الخطوط من جهة، وانقسامها ضد بعضها البعض من جهة أخرى. مطلب التغيير حينئذ لا يسلك بالضرورة الطريق الأقصر بين نقطتين. 

فحين يُطالب الجميع بالتغيير ويخشون منه في آن واحد؛ فإنّ الأخير يتحول إلى دوامة كبرى أو إلى حبل شعاره الخلاص لكنّ حقيقته أن أحداً لا يمكنه أن يعرف أوّله من طرفه. الكل يصبح بذلك معرضاً للتيه أو للسقوط على رأسه من أعلى. وعلى الفور سيجد الناس أنفسهم أمام تغييرين متوازيين: واحد صعوداً نحو المطالب المحقّة، وآخر نزولاً نحو المخاطر الداهمة. 

كثيرون سيتوزّعون بين الخيارين المتعارضين، وكثيرون سيقفون في المقابل على نقاط قلقٍ تجنح بهم نحو وسطٍ ما. فالتغيير الحقيقي هو أبعد من كونه انتفاضة عشوائية أو هبّة غير محسوبة. ينبغي تمييز التغيير عن الفوضى حتى ولو اعتقد البعض عن خطأ غربي الهوى، بأنّ هذه الأخيرة يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون «خلاّقة» أو أن تقود إلى ما تطمح إليه الشعوب من أمن وآمان. صحيح أنّ شعار الثورة قد يختصر في مرحلة ما معاناة الناس وغضبهم على أوضاع التفّت كالمشانق المعلّقة حول رقابهم، لكن الأصح أن الشعوب قد راكمت خلال تاريخ نهوضها الطويل تجارب غنية أنضجت علم تغيير المجتمعات بوسائل ليس من شأنها أن تعيد بالعنف عقارب الساعة إلى الوراء أو تُضيّع على المجتمع مكتسبات نجح بالدم بالحصول عليها. 

على الأجيال الجديدة المنتفضة اليوم بحثاً عن مستقبل كريم لها في وطنها، أن تتعلّم كيف تحتمي من التاريخ الذي يحرق أبناءه كلّما تكررت فصوله، قبل أن تكتفي، ظنّاً منها أنّ التاريخ بلا أنياب، بحرق كتب التاريخ!

أخبار ذات صلة