إنّه الألم بكل معانيه.. دون الاعتراض على ما كتبه الله على عباده.. لكن مفارقة عايشتها ثاني أيام عيد الأضحى.. إذ على المقلب الداخلي لطريق المطار القديم.. شارع فارغ إلا من الكلاب الشاردة.. وطفلين يكاد الفتى لا يتجاوز أعوامه الـ10.. أما الفتاة فأغلب الظن إبنة سنوات 5.. يتخذان مع أسفل جسر موطِناً ومرتعاً لطفولتهما..
ركنتُ سيّارتي في وسط الطريق الذي تصفر فيها ريح الفراغ.. وأومأتُ إلى الفتى بالاقتراب من السيارة.. رغم شكّي لبرهة بأنْ يكون وضعهما وسيلة من «قطّاع طُرُق» للانقضاض على فريسة في طريق مقطوعة.. فما كان من الفتى المُحتضن لشقيقته بقوّة.. إلا أنْ سألني: أنا؟!.. عندها ترجّلتُ وحادثتهما.. وبعد دقائق قليلة غادرتهما والدمع يغسل وجنتي..
وعلى الوجه الآخر للمدينة كان العكس «يتسيّد الموقف».. فقد خرجتُ بطفلتي إلى أحد مراكز الألعاب Kids Area.. وإذ به عامر عن بِكرة أبيه ولا مكان فيه لنملة تمر.. وبعد انتظار لحوالى نصف ساعة من الزمن.. إلى أنْ أصبح بإمكاننا الدخول نتيجة للزحام.. تفاجأتُ بأنّ أحداً لم يكن يستر وجهه ولو حتى بكمّامة أو يستعمل مُعقّماً.. فسألني أحدهم إنْ كنتُ مريضاً فأجبته بالنفي.. فعاد ليسأل: «لكن لشو الكمّامة؟!».. فتركته ومضيت أضرب أخماساً بأسداسٍ على شعب جاهل مُتخلّف..
المكان تسعيراته باهظة بالطبع والكل يدفع.. بل ويتدافعون على هذه اللعبة أو تلك.. والزحام يتعالى حتى تعالى معه الصراخ على وقع إشكال سببه أسبقية على اللعب بين إبن فلان ونجل علان.. وبدأ التدافع حتى تدخّلت القوى المولجة حماية المكان وحلّت الإشكال بأنْ طردت الطرفين..
هي مفارقة بسيطة بين مَنْ لا يجد ما يقتات به أو سقف يستره.. فيفترش الأرض ويلتحف السماء.. ويربط على بطنه بألف حجر وحجر.. وبين مَنْ يحمل «المال النظيف» أو الدولارات الـFresh.. فلا يشعر بسواه في زمن التفاني والإيثار!!