بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

24 حزيران 2022 12:17ص الحقّ ساكت !

حجم الخط
قيلَ مَنْ كثرُ كلامُه كثرُ سقْطُه أو خطْؤه. وقيلَ أيضاً أنّ قلّة الكلام تستر العيوب وتقلّل الذنوب. وقيلَ كذلك إنّه إذا تمّ عقلُ امرئ نقصُ كلامه. وجاءَ في الأثر أنّ الحكمة عشرةُ أجزاء: تسعةٌ منها في الصّمت وجزءٌ واحدٌ في العُزلة والابتعاد عن الناس. فمن الحكمة السكوتُ عن الكلام؛ فليس كلُّ ما يُعرف يُقال. ومن مساوئ الكلام وكَثْرَته أنّه يشذّ عن فِعْل صاحبه وينبو به عن المقام الصحيح. فإذا هو قليلُ الهيبة بين الناس؛ بعضُهم يرى في حديثه الكذبَ البَراح وبعضُهم الآخر الجّهلَ العَمِيّ. وإن كان الأكرمون من الأقدمين قد شحذوا كلامَهم بالحقّ اتّقاء الفتنة في القول والهوى في النّفس فإنّ مُحْدَثينا والمعاصرين بيننا ما فتئوا يشحذونه بالباطل وبزخرفٍ من القول والأمانيّ التي تُلقى للناس على عواهنها. فالصّادق قليلُ الكلام والمنافق كثيره. والعاِلمُ إذا تكلّم أوْجَز والجّاهل أسرَف.فالكلام يأكلُ بعضه كلّما ابتعدَ عن مائدة الصدق أو يخمشُ نفسه بأظافر من نحاس كلّما تغذّى على لحوم الناس ودمائهم. وترى إلى الناس يسارعون في الكلام عند كل مناسبة. هذا على منبر يخطب لساعات عدّة وذاك وراء طاولة يرمي بالإجابات كالسّهام في غير اتجاه. وكم حريّ بالأفعال أن تنوب عن الأقوال؛ فتكشف صدقها من عدمه. فهل يحتاج الحقّ إلى كثير كلام حتى يظهره اللسان أو يستبطنه القلب؟ هل تحتاج المحاسبة الحقيقية للمرتكب والفاسد والغشّاش لغير كلمة واحدة أو جملة حاسمة يقولها المسؤول أو الحاكم عن نيّة صدق أمام الملأ؟ لكننا لم نرَ للأسف شيئاً من الحقّ لأجل الحقّ نفسه. نعم قد يصدق الكاذب في حق كاذب مثله، وقد يقول فاسد الحقيقة في فاسد آخر. لكن ذلك على سبيل الحقّ الذي يُراد به باطلاً أكبر. شهدنا اغتيالات عديدة وانفجاراً عظيماً كاد يمحو العاصمة. فماذا كانت النتيجة؟ كلامٌ بكلام بكلام. مطوّلاتٌ تقول للحقيقة اغربي عن وجهي أيتها الحقيقة! لست أريدك هنا ابحثي عن مكان آخر تقيمين فيه. لا ملاذ لك بيننا. لا قيامة لك عندنا. لن تأكلي من رغيفنا ولن تشربي من مائنا ولن تتنفسي هواءنا. فماذا كانت النتيجة؟ الحقّ ساكتٌ والباطل لا يتوقّف عن الكلام!
أخبار ذات صلة