لم تكن الحياة مطلبا لنا - نحن البشر - ابتداءً اي قبل الولادة. ولكن بعدها يصير كل شيء مختلفا، بحيث تتحول الحياة بالنسبة إلى كل واحد منا، مهما كان نوع ودرجة الاختلاف القائم بيننا، إلى مجموعة مطالب محددة. هذه المطالب تغفل عن الحياة نفسها التي تظل بالنسبة إلينا أمراً استثنائيا وعصيّا على الفهم من دون نمذجته بمطالب تتأرجح ما بين المادية والروحية.
ما نرنو إليه ساعتئذ في حياتنا، هو هذا الشيء (المطلب) أو ذاك، الذي تتكثّف فيه كل المعاني التي نجعل من خلالها الحياة قابلة لان تكون عند نقطة معيّنة من الإنسانية. ولان المطالب هاته هي نفسها متأرجحة على نحو عسير ما بين ضمير المتكلّم (الأنا) وضمير الجمع (النحن)، فإنها في صدام فعلي وعلى نحو محايث مع ذاتها أولا، ومع فكرتنا الكونية ثانيا، عن حياة في الحدود الدنيا للمطالب وعلى نحو مفارق تماما.
غالبا ما نجد أنفسنا غارقين في البحث عن مطالبنا من الحياة، اي عما نتصوره حاجتنا الأساسية منها. نسأل حينها أنفسنا العميقة: ماذا تريدين من الحياة؟ ماذا أريد أنا من حياتي الفردية؟ وماذا نريد نحن من اجتماعنا الحيّ؟ في هذه الحالة نُملي على بعضنا البعض، ما نسمّيه مطالب العصر بما هو أفق الحياة الوحيد الممكن أمامنا. الخروج عن العصر يعني باختصار خروجاً على الحياة نفسها! الحياة كـ«مطالب» أو كإكراهات بينذاتية. لكن في حالات أخرى، وفي خضّم الصراع حول مطالب(نا)، ينفتح إمكان جديد لمقاربة أخرى. السؤال البديل حينها: ماذا الحياةُ تريد منّا؟ الا ان الاجابة نادراً ما تخرج عن إنسانيتها حتى ولو متحت مما يجاوزها. لو افترضنا الحياة في الغرب القوي هي الدولة؛ فالسياسة هناك هي مطالبُها واملاءتُها. أما هنا في لبنان، فالحياة في مكان آخر.
والدولة تقبع تحت مقصلة الطوائف ومطالبها. ماذا تريد كل طائفة وكل زعيم وكل حزب من الدولة؟ التطاول على الدولة، مطلبياً واخلاقياً، هي السياسة الوحيدة السائدة حتى أجل غير مسمّى.