بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

17 أيلول 2021 12:03ص الرماد علامة البلوغ!

حجم الخط
ها أنا أقف على شرفة الكتابة، أُطلّ على الكلمات الملقاة على الطريق. هل أنزل لأجمع باقةً منها أم أرمي ما بقي في جيبي؟ أيّهما الكتابة؟! النزول أم الصعود؟ الجمع أم الطرح؟ الأنا أم الآخر؟ لست أدري. ما أستوضحه الآن أنني أفضّل الكتابة على سجيّتي، تماما مثلما أتحدّث إلى نفسي عند الاستيقاظ أو قبل النوم. شرود متمادٍ، غرق في نهر يقطع غرفتي نصفين. أُصبح على الضفة البعيدة عن الأشياء، أشيائي، وحيداً بلا أمل بالعبور إلى ما فاتني من الكتابة. كنت سأقول وكنت سأكتب، لكنني لم أقل شيئاً ولم أكتب شهادتي على هذا اللاشيء. بعبارة مفارقة، لم أدوّن اللاشيء في حياتي. هل ثمة إمكان لذلك؟! لم أكن يوماً على سجيّتي إزاء أحد يجلس قبالتي. فالسجيّة ضرب من الحميميّة، علاقة بالأشياء من وراء ظهرها. فهل أنجح في كتابة لا تعاند سجيّتي المحتجبة؟! هل أقول ما أريد قوله؟ ربما أتمكّن من رمي الأقوال مهما كانت ثقيلة، إرسالها في الهواء حرّة كالريشة، طليقة من أية قيود قبل أن ترتطم بالمعنى. لكن هل أجسـُر على ادعاء الإحاطة بها على وجه الترتيب الذي أبتغيه؟ للأقوال لعبتُها الخاصة، إغواؤها الذي لا يخلو من شرّ. بعبارة أخرى، للأقوال جحيمها في قبالة ما يظهر أنه جنّتها الصغيرة! فحين نكتب نكون قد اخترنا درجة النار التي نصهر بها الأقوال فتخرج ملوّنة كقوس قزح. ثمة إحراق هنا من أجل إتمام التدوين. نكتب بالرماد اذاً، بعد أن ننفخ في النار حتى تستوفي عدّتها. نستوثق من طهرانية النار، فالنار أطهر الأشياء، أطهر من الماء الزلال. ليست النار شيطانية أبداً. ربما هي درجة من درجاتها الدنيا. لكن الأفكار ليست كذلك. صحيح أنها تحمل حرارة النار لكن ليس ختْمها. لذلك يظل فيها شيء من الشيطنة، شيء لا يخمد أبداً، شيء لم يحترق بعد بما يكفي. وحده الرماد علامة البلوغ! إلى أي مدى تريدونني أن أكون عميقاً كي أُخفي عنكم أنني أكتب؟ لن أُزعجكم ولو بانفعال واحد إزاء هذا الضمير الحسّاس. اللامبالاة شعور عادل. يستريح الكاتب في اللامبالاة. يستمد منها قوة عكسية على الصمود في وجه الكتابة. القراءة ليست مجرد قرءاة ما هو معروض علينا للقراءة، بل جعل ما ليس مقروءًا قابلاً للقراءة.
أخبار ذات صلة