الشتاءُ مجددًا: البردُ المعطف، المطرُ الحضن، الرصيفُ الأغنية، الزجاجُ القطرة، السماءُ الأرض، الناسُ الماء. هبوطٌ وصعود، شهيقٌ وزفير، حبالٌ وأيد، عيونٌ وغيوم، بللٌ ووتر، شجرٌ وصلاة، وعصفورٌ في مساء القلب دافئ مثل حساء للمشاعر. غسيلٌ لقميص العالم المتّسخ، رعدٌ في آذان الصمت المُريب. أحاديثٌ تتزحلق فوق الجمر والبرد. حبٌ ملوّن تحت المظلات السوداء الكبيرة وهي تتصادم خفيفًا. فيروز تغنّي على كلّ ناصية خضراء فينا. مثل قوس قزحٍ صباحيّ صوتُها للناهضين من سُباتهم العميق. يعلَقُ كحلُه فوق أرزنا المُتصبّر. لكن لا أحد سينتظرها هناك. كالغريبة تظلّ وراء نهر ألحانها الطاووس وهو يفرد ريش ماضيه. فحكاية الشتاء لا تسمعها سوى العيون الحزينة. الجدّة الأم، الجدّة الحياة، صوت الموْقد في بريق العيون المُحمْلقة إلى حقولها الدافئة. إبريق الشاي المُدثّر بعرق النّهار. الفاكهة السمراء ترقص كالدراويش فوق الشفاه المتقلّصة. اللحاف الحنون، المخدّة في غير أوانها، الجوارب العنيدة، الفراش كورقة شجر سابحة في ساقية حنينٍ بعيدة، الليل العميق بأسراره، والصبح المُتجهّم بلا سبب. الناس مُهطعين يذهبون إلى أغراضهم الدنيوية، يخشون البلل وهم غرقى. صغار يرتعشون تحت نظرات أمهاتهم وهنّ يودّعنهنّ على باب المدرسة: حرارة الكلمة، شبق النار في العلم، اللوح الحافظ، المحو والكتابة. الشتاء الماضي. الشتاء الذاكرة الأرضية لدفاتر السماء. الشتاء أبدًا. هو الشتاء. مرآة الفصول. دُرج الماء. بخار الناطقين على زجاج العالم. الشتاء الوجوه، الأصوات، فرك اليدين لجلب حظّنا الأخير من الدفء!