ما الصحّ؟ وما الغلط؟ هل ثمّة من يعرف في لبنان الإجابة عن هذه الأسئلة؟ بل هل ثمّة من يملك معياراً واضحاً للتمييز بينهما؟ نطرح هذا التشكيك عموماً ليطال كل علاقة ممكنة، سواء بين مواطن لبناني وآخر أو بين المواطن والدولة أو بين مؤسسة حكومية وأخرى. لا نستثني وسائل الإعلام نفسها من هذا التشكيك الموضوعي؛ إذ بات شعار «حرية الإعلام» في هذا البلد مطّاطا جداً، ويشوبه الكثير من الغموض والضبابية.
لا أحد يفهم معنى هذا الشعار ولا أحد إذا ما فهم مستعد للالتزام به عند التطبيق. هذا الفقدان لمعيار التمييز بين الأقوال من جهة والأفعال من جهة ثانية، يجعل من الإعلام - أي إعلام كان - ساحة مفتوحة، وبلا حدود، لإعادة إنتاج كل أمراض المجتمع على نحو أشدّ وأكثر تأثيراً في تعميق انجراحاته الفردية والجماعية على حدّ سواء.
ما الصح؟ وما الغلط؟ لا يمتلك السياسيون إجابة واحدة. ولا تمتلك المؤسسات الرسمية إجابة واحدة. ولا تمتلك الأحزاب بكل أطيافها إجابة واحدة. ولا يمتلك المجتمع إجابة واحدة. ولا تمتلك العائلة الواحدة إجابة واحدة. ولا تمتلك المدرسة إجابة واحدة، وكذا المنطقة والحيّ والشارع والزاروب..الخ.
مجرّد حياة تُعاش بلا معيار، ومجرّد مجتمع يسير بلا ناظم، ومجرّد مؤسسات تُدار بلا رؤية أو محاسبة. الكلّ يهاجم الكلّ أو ينقلب عليه. تحالفات تُعقد وأخرى تنقض، بلا احتكام إلى شيء ثابت. فما وراء الخير والشرّ، تنتصب المصلحة العارية للجماعات والأفراد، وتتحول إلى قضيّة القضايا التي لا يجوز أن تُمسّ مطلقاً. لكل واحد الصحّ الذي يراه مناسباً لاستمراره في الغلط. ولكل واحد الغلط الخاص الذي يتصيّده في غيره ليرى نفسه أنّه على صح.
الشتات داخل الوطن أصعب من الشتات خارجه!