الفارابي صاحب العقل النيّر والاختصاص المحيّر الذي يدرّس كسيرة وعطاء. والذي استعير اسمه في تسمية إحدى دور النشر.
الفارابي هذا يحضر إلى ذهني كلما حشرتني الظروف ومشيئة البعض للنظر إلى شاشة التلفاز وبعضهم يغنون كما يقولون مع مرافقة الموسيقى.
والمشكلة ان حاسة السمع ليست الوحيدة في تلقّي ذلك، فهناك حاسة النظر التي تعاني عند مشاهدة بعض المناظر الـ«شيتوية» والكلمة مصادرها «شيتا» وهي أحد أصناف القرود أو السعادين تمتاز بخفة حركتها وبلاهة نظرتها.
والذين يشبهونها هنا (والكلام عن الشاشة) هم زمرة من الفتيات الفلتانات اللواتي نسين (اللجامات) وهن يقفزن حول أو وراء المغني كالرقاصات على انهم رقاصات في حركات لا تعني شيئاً الا التذكير بحركات سكان ما كان يدعى مستشفى في منطقة الحازمية وفي عودة إلى الكلام عن نظرية دارون في (النشوء والارتقاء).
ولكن، دعنا من النطنطة والسعدنة ولنعد الى الموسيقى والفارابي هذا كانت لديه صفة أخرى وربما كانت من أهم ما ذكر عنه وهو كونه عالماً موسيقياً رائداً، ويقال إنه دخل يوماً الى مجلس أحد حكام زمانه حاملاً بيده كيساً فيه عيدان وخيطان فسأله الحاكم عنه فأجاب بأنه آلة موسيقية فطلب منه ان يستمع.
فجمع ما في الكيس وحوّله الى آلة وعزف بأطراف أصابعه لحناً أضحك جميع الموجودين وعزف لحنا آخر فأبكاهم وعزف لحنا ثالثاً فنام الجميع بما فيه الحراس.. فحمل آلته ومضى.
في مقاربة مع حالتنا اليوم ماذا نجد؟.. الايقاع هو الملك الذي ولد في القارة السوداء، ربما لطرد الحيوانات المفترسة من حولهم ثم استهواهم فراحوا يرقصون على ضجيجه.
أليس هو الملك اليوم في ما نسمع؟.. غاب الوتر والنفخ ليسيطر القرع من أجل التغطية على الشوائب والنشاز..
رحم الله الفارابي.. سمع اهتزاز عظامه.