بات واضحاً للجميع بعد زيارة ماكرون ما هي حقيقةُ الطبقة السياسية في لبنان. ولستُ بحاجةٍ هنا إلى توصيفها من خلال ما شاهدناه وما سمعناه. فلكل لبناني قاموسه الخاص الذي يُشبع هذا الأمر تماماً بل يفيض عنه أيضاً. يكفيني أن أقول بحقّها جملةً واحدةً: لا أحد في هذه الطبقة يؤمن بالدولة. وليس هذا بجديدٍ عليها إنما هو حالها منذ إعلان لبنان الكبير.
لكنني لن أكون قاسياً عليها حصراً، كأنما نزلت إلينا من المرّيخ، وأستثني الشعب الذي يستحقّ معها التأنيب. نعم، فالحقيقة تقتضي ذلك، أن نعلنها كاملةً ولا نقف عند منتصفها. فالشعب كذلك مثل حكّامه لا يؤمن بالدولة. ولربما بعد قرنٍ من الزمان على فرصة بناء الدولة، صار الفواتُ هو العنوانُ الأكبر للبنان الصغير.
ربما اقتنع الجميعُ عن دمٍ أو بلا دم بأنّ إقامة الدولة ستعني ببساطة إقالة السلطة بمفهومها اللبناني. كأنّ الدولة مفهوم غريبٌ عنّا لا أب له بيننا ولا أمّ. وقد تعوّدنا أن نأخذ من الآخرين ما يعزّز واقع السلطة في أيدينا أو ما يضع لها حدوداً وفقَ الموازين الدوليّة. أما الدولةُ فيكفي أن نجرَّها خلفنا في المناسبات كوشاحٍ بلون العلم.
وإذا كان الحكامُ قد حزموا أمرهم منذ زمن بعيد على تحطيم فكرة الدولة في الرؤوس والنفوس، فإنّ ما يجري اليوم في الشارع بعيداً عن سلطتهم، يشي بعزمٍ آخر على استبعاد هذه الفكرة أيضاً وإقامة سلطةٍ مضادةٍ تكون بديلاً عنها، وفي مواجهة السلطة الرسميّة. سمِّ هذه السلطة المتكوّنة برعاية دوليةٍ ما شئت.
قلْ عنها المجتمع المدني أو مجتمع الجمعيّات والمنظّمات الأهلية، كلّ هذا لن يُغيّر من الصورة الجديدة التي ترتسم معالمُها في الأفق. فالدولة التي نريدها، الدولة التي انتظرنا قدومها طويلاً، الدولة التي بحثنا عنها مؤخّراً تحت أنقاض المرفأ وبين ركام الأبنية والمساكن، ربما لن تأتي أبداً، وربما من دونها سنُضاعفُ من أشلائنا!