بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

6 آذار 2020 12:02ص الكتابةُ شأنٌ ليليّ!

حجم الخط
أن تقول اليومَ شيئاً لنفسك أو لغيرك أمرٌ ما هو بالهيّن. أسبابٌ كثيرة تحول دونَه. منها أنك لا تعرفُ حقاً ماذا تقول؟ وكيف تقول؟ ولمَنْ تقول؟ فالأقوال كلّها في وادٍ وأنت في وادٍ آخر. والبقرات في الحظيرة سوداءَ باتَت بعدما حلّ الظلامُ الدامس. الكتابةُ نفسها أصبحت ليليةً أي شأناً من شؤون الليل الطويل وتصاريفه.

 أن تكتبَ لا لتُبصرَ عندَ رؤوس الكلمات أفكاراً تُهاجرُ بك كالسنونوات إلى مطارحَ مشتهاةٍ، بل لتحصيَ الحُفَر العارمة في الطريق منكَ إليك؛ لعلّك تخذلُ السقوطَ (فيها) ولو لمرة واحدة! ما من أحدٍ سيُحدّثك بما يُعيد للأقوالِ في نفسِك تاجَها المفقود. وما من أحدٍ سيفرضُ عليك بعد الآن هيبةَ الكلام ووقاره. حرٌ أنتَ من الأبجدية ومن حكاية الأجداد البحّارة.

 فليس بكَ حاجةٌ إلى الحَرْف كي تشعرَ بأنّ عليك أن تقول شيئاً (خفيّاً) من غير أن تقوله. وليس بوطنك حاجةٌ لأن يبقىَ عابداً ربَّه على هذا الحرْفِ الرهيب. ليسَ أمامك غير الوقت العَريّ من معاطف الانتظار. 

فليست الساعةُ الآن في معصمنا كي نُلقي نظرة فاحصة على عقاربها المتربّصة بنا كالأعداء. يُسابق الجرادُ أيديَنا القصيرة نحو الأفق اليابس إلاّ من نبتة الأمل الصغيرة (لكَمْ احتقرنا الزراعة وأعدَمنا الأخضر نحن الأرجوانيين التجّار!) وراء صخرة سيزيف العملاقة، بينما تتعثّر عقولنا الرعناء بأجنحة الفراشات الخائفة من اختناق الضوء وانتحار الألوان. 

فها هي الأفكار تسخر منّا، تفلتُ من بين أصابعنا المالحة كلّما أدركنا خيطها الرفيع، وتتكسّر بقوةٍ كالموج فوق شواطئ عجزنا الممتدة على طول كيانٍ لم نعرف بعدُ كيف نَعبُر به من وطأة «كان» إلى حلم «يكون». واقفين هنا كالشاهد على جرحٍ بليغ أمعنّا فيه خناجرنا الطائفية البرّاقة بلا شفقة حتى أزهر خراباً. فأي الأقوال ستُعيد هذه البراعم الوحشية التي تتفتّح نوافذها اليوم في أرواحنا إلى جحيمها بدل أن تستعيرَ منه لهيباً يحرقُ أجسادنا؟!


أخبار ذات صلة