مشرّعة كانت نافدة السيارة بما لا يزيد عن مقدار 4 من أصابع اليد الواحدة.. وفيما كان يهم لركن سيارته في محلّة «الملا».. مُسرِعاً للإلتحاق بعمله في «مهنة المتاعب».. مدّت يدها تسأله عمّا بإمكانه أنْ يجود به عليها في سبيل شراء «سندويشة» تقتات بها.. مؤكّدة أنّها من «آل فلان» العريقة في بيروت.. لكنّ الجوع كافر والفقر ملعون..
على كرسي صغير وبين سيارتين مركونتين إلى جوار الرصيف.. بين الكولا وكورنيش المزرعة مقابل جامعة AUL.. يجلس متكئاً على عكّازه وإلى جواره كيس من المحارم الورقية.. لبيعه لمَنْ يريد من المارّة أو السائقين.. فسأله عن اسمه ومن أين هو.. ليكون جوابه أنا فلان إبن فلان من المحلّة الفلانية في أعرق المناطق البيروتية..
وليس بعيداً عنه تسند ظهرها إلى أحد أعمدة الإشارة تحت جسر الكولا.. وتجلس على قطعة من القماش المهترئة.. وأمامها أيضاً من المحارم الورقية كيس لتبيعه عيناها الصامتتان.. بل تنطقان بملايين المواجع والآلام وصرخات الزمن المقهور.. وأيضاً سألها: «إنتِ من وين؟!».. ليكون الجواب: «أنا من بلد الأحلام المسروقة والأيام المحروقة والليالي الموجوعة»..
وصولاً إلى تقاطع فردان.. فكان المشهد هذه المرّة «سوري» اللكنة.. لكنّه طفولي الوجه والسحنة.. فهي لا تكاد تتجاوز الـ10 سنوات وأغلب الظن هي أقل.. تعرض الورد على مَنْ يشتري.. تضحك لهذا وتغنّي لذاك علّها تحنن القلب والفؤاد..
وبين هذه المشهديات التي تكاد لا تكون جزءاً من جزءٍ.. من جزءٍ يسير تراه العين ويعتور بسببه الفؤاد.. أسأله: ماذا تريد بعد من بيروت وأهلها؟!.. ماذا تُريد حتى ممَّنْ حلّوا عليها كباراً وصغاراً؟!.. بيروت ما عادت تحتمل ولن نقول لك إرحل.. فما عاد من أيامك المقبلات أكثر مما مضى.. لكن الله يعاقبنا بك ويُطيل بعمرك.. وهو وحده العالِم بما نتفوّه به في كل صلاة.. وبين كل ركوع وسجود.. «الله يهد جبرك»!!