في مثل هذه الايام الصيفية من حزيران مُني العالم العربي بهزيمة كبرى تسببت بها الانظمة العسكرية الحاكمة آنذاك. هزيمة لم يكن الشعب العربي الطالع من نير الاستعمار الأوروبي والمتطلع الى الحرية وبناء الدولة القوية العادلة يستحقها. فجأة انهار الحلم الكبير في ست ساعات. لست في وارد استعادة الألم الذي لم تُسكّنه السنوات بعد. ولا حتى الحديث عن الأسباب التي أدت الى وقوع هذه الكارثة العسكرية غير المتوقعة. ما يعنيني حقا هو درس آخر اكتنف تلك الأيام العجاف بأسراره وغموضه: كيف تخسر حرباً من دون أن تحارب؟ يتطلب منا هذا تعريفا لمعاني الحرب والسلم وكذلك لمعاني النصر والهزيمة. والأهم من كل ذلك هو تحديد العدو وتحديد الصديق. رغم فداحة الحدث الماضي إلا أن الصورة كانت أوضح مما هي عليه اليوم. فلا يمكننا أن ننسى حرب تشرين وعملية العبور المظفّرة للجيش المصري كفعل قيامة جديدة من رماد الهزيمة. ولم يكن ذلك لينجح لولا ارادة الشعب العربي وجلاء الصورة في نفسه وفي وجدانه. ماذا عنا اليوم؟ اين الحرب التي كسبنا فيها من دون أن نحولها على الدوام الى هزيمة؟ نخسر اوطاننا وندمر البشر والحجر ولمّا ندخل الحرب بعد. نخسر حتى لو ربحنا. لاننا قادرون في لحظة واحدة على هدم كل إنجاز حققناه. نخوض حروبا كلٌ على ليلاه. اخطر ما فيها أنها تجرف معها دولنا ولا ندري اين اتجاهها واين يتوقف قطار خرابها الأسود. جريمة ٦٧ أننا لم نحارب وقت أن كانت الحرب قائمة بالفعل. اما جريمتنا اليوم فهي اننا نحارب لكن الانتصارات هنا وهناك تُفرقنا.