بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

10 أيلول 2020 12:00ص بيروت.. أول الكلام ومسك الختام

حجم الخط
أخبرتها بأننا على بعد أيام قلائل من مغادرة مسكننا خارج العاصمة.. وسنعود إلى «ست الدنيا» و»أميرة العرائس» بيروت.. فسألت عن سبب المغادرة.. وهي التي مضت سنوات عمرها الخمس في عرمون.. حيث صديقاتها ومعلماتهاومرتع فرحها وملعبها.. فما كان من كلامها إلا وحرك أشجاني.. حتى مضيت على عجل أخبرها: «يا بابا أتذكرين حيث كنت آخذك لتعلبي مع الحمائم (ساحة النجمة في قلب العاصمة).. أو حيث كنا نمتطي الدراجات الهوائية فنسابق الريح.. ضحكا وفرحا وسعادة.. أو على طول شاطئ البحر حيث نركض تحت أشعة الشمس والهواء العليل.. إنها بيروت الجميلة يا بابا».. فصدمتني حين أجابتني: « بس يا بابا ببروت انفجرت.. والحمامات ماتوا.. والازاز (الزجاج) على الارض.. مشينا عليه بالسيارة وسمعنا صوته عم يتكسر».. فآلمني وعي ابنة السنوات الخمس لوجع بيروت.. ولصوتها المخنوق على وقع شياطين السياسة وتفاصيلها الملعونة.. فلم أعرف بما أجيبها حتى مر أمامي شريط أيام عمري.. حيث الطفولة والصبا والرجولة.. وعلى أمل الكهولة والشيخوخة.. إلى أن يتغمدتي تراب بيروت.. فقلت: «يا بابا بيروت لأنها حلوة كتير كتير.. الكل غاروا منها وجرحوها.. ونحن من بيروت وببيروت كنا زغار وتعلمنا وكبرنا.. وأنا بدي ياكي تكبري متلي ببيروت»..

فقاطعتني قائلة: «إذا إنت من بيروت.. أنا من عرمون وبحب عرمون كتير.. هي بلدي وبيتي»..

فانتظرت حتى دلت بدلوها ولم أقاطعها قائلا: «لاء يا بابا أنا وأنت وماما وأختك وتيتا وكل قرايبنا من بيروت.. بس طلعنا منها بسبب بس تكبري بتعرفيه (لأنني حتما لن أتوسع لإخبار طفلة عن نزوح أهل العاصمة إلى خارجها.. مرغمين بسبب فساد الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من ٣٠ عاما)»..

وتابعت: «يا بابا قد لا تفهمين أو تستوعبي ما أقوله.. ولكن بيروت هي درة التاج وكهرمانة الصولجان.. بيروت آية من كتاب الرب.. وأعجوبة صنعها قديس.. وكرامة قدمها ولي معصوم.. بيروت أول الكلام ومسك ختامه.. بيروت أجمل النساء وأكثرهن صبا.. بيروت حلم كل كاتب وأديب وشاعر وفيلسوف.. وبيروت وهل خلق الله مثلها في الدنيا أجمعها؟!».. فنظرت إلي باستغراب وقالت: «أنا ما فهمت شي.. بس ليه إنت بتحب بيروت كتير؟!»..


أخبار ذات صلة