بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

26 آب 2021 12:00ص بيروت.. الأسود لا يليق بكِ

حجم الخط
عبرتُ في ليلها الأسود.. أبحثُ عن مُلهمتي.. فلم أجد إلا حُلكة ليلٍ مُوحش.. فلا نور ولا قمر مُنير.. بل صمتُ ورهبةُ وهدير «ما تبقّى من المولّدات حيّاً يئن».. فرحتُ أعدو علّي أكون مُخطئاً.. فمدينتي «نور على نور».. وسلطانة على عروش القصور.. وكلّما سارعتُ الخُطى كُلّما بقي المشهد «هو هو».. لا يختلف بين شارع وزقاق وتقاطع ومُفترق.. أين مدينتي؟!

وسّعتُ مدى العينين علّي أرى ما يسرُّ المُقلتين.. أو أقلّه يرفع الصمت عن الروح الغائرة.. فإذ بباحث بين أكوام القمامة المتبعثرة.. يسترسل أملاً برزق «من حيث لا توعدون».. فاسترقتُ النظر في ظلال العتمة إلى أطلال العابرين.. فلم أجد إلا وجوه «كالحين كادحين».. لا أمل منهم يُرتجى.. يبكون زماناً عَبَرَ ويبحثون عن رمق يسد جوعاً كفر..

من فرط هلعي هربت.. فما هذه «عروسي» التي أعرفها.. وما هذه «معشوقتي» التي تحديتُ الصعاب للعودة إليها.. لتلفحني دماء شهداء الرابع من آب.. دماء ضحايا طوابير البنزين وإشكالاته.. دماء حصيلة الرصاص الطائش والدواء المفقود والفقر المرصود.. فأبيتُ إلا البحث عن أريج «عروسي» المكلّلة بالغار وزهر الليمون والقرنفل.. «حبيبتي» التي لطالما تغنّى الشعراء بليلها الممهور بأطيب العطور.. وروائح الصبايا الإفرنجية وعود الشباب العربي.. فلم أجد إلا روائح معفّرة بعرق الأجساد المحرورة.. في ليلة صيف ضاع الوميض من عينيها..

حتى إلى وجهتي وصلت.. ونحو مرآتي ركضت.. وفي عينيها نظرت.. فأجابني صمتها قبل أنْ أسأل.. «كانت مدينتك كالعذراء في خدرها.. فهتكها تجّار الدواء المُحتكر.. واغتصبها زبانيّة السياسة وأزملامهم.. ونهشها كلاب الزعامات والبكوات.. وانتهكها لصوص «تحويشة العمر».. ليُذيب فؤادها شياطين المحروقات بليل لا نور فيه.. حتى كحّل سواد الألم عينيها».. 

ففتحتُ عينيَّ عنّي أبحث أهذا أنا؟؟ أهذه «بيروتي»؟!.. هل أعرفها وتعرفني؟!.. فما رأيتني ولا رأيتها.. بل رأيتُ الأسود يكفّن ليلها ونهارها.. لا يا بيروت الأسود لا يليق بكِ!!




أخبار ذات صلة