بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

8 شباط 2019 12:05ص ثقافة الاستدانة

حجم الخط
أخشى أن يكون كل ما نحكيه عن أحوالنا المترديّة هو جزء من هذه الأحوال نفسها، على قاعدة أن الأقوال لا تنفصل عن الأفعال. وبذلك يصبح النقد الذي نجتهد فيه، على سبيل المُتاح المجّاني، باطلاً، جملةً، وإن تضمّن بعض الحق تفصيلاً. ليس هناك أسهل على الإنسان من الانفعال. وقد تمرّس اللبنانيون طويلاً في اظهار انفعالاتهم والتعبير عنها إلى أقصى الحدود، متجاوزين بأشواط كبيرة محيطهم العربي. وليس في الأمر سرٌ: حينما يتم إرجاع الانفعالات إلى هويّات متعددة، تكون بمثابة المصدر بالنسبة لها، يصير ذلك ممكناً. لكن كلما ابتعدت الانفعالات عن تلك الهويّات الطائفية، تشتّتت وذهبت ريحها هدراً. وبالمثل، يفشل النقد المبني على انفعال غائم بلا هويّة خاصة تسنده، في إصابة هدفه. لقد اعتدنا نحن البعيدين (او المبعدين!) عن السلطة النيلَ من الطبقة التي تديرها منذ عقود. جلّ ما نفعله هو الاستهزاء بها بغية اصطناع ضحكة مزيفة على قاعدة: «وداوني بالتي كانت هي الداء». فالمشكلة هي الطبقة السياسية نفسها ومواصفاتها غير المطابقة للحُكُم الرشيد! خلاصة تُخفي في الواقع إدانة لكل مكتفٍ بها. لنتجرأ على أنفسنا قليلاً: ماذا يريد اللبنانيون؟ أي حياة يبغون عيشها؟ ديموقراطية شكليّة مسيّجة بطائفية حمراء؛ انقضاض غريزي بدائي على جسد الدولة وروحها؛ رغدٌ عابر ورفاهيّة سطحيّة بلا إنتاج تشطب حساب الأجيال المقبلة؛ اقتصاد خدمات ومقاولات، وأخلاق على قاعدة «الشاطر ما يموت»؛ ووكالات للحرب وللسلم اقليميا ودولياً. هوذا نمط الحياة اللبنانية غير القابل للتفاوض؟! أيكون عجيباً: أن السياسي عندنا لا ينجح سوى في الاستدانة (بكافة أشكالها) كأفق وحيد للسياسة الوطنية؟ أو كإمكان أخير لفن التدبير العام على وتر الخاص جداً؟ هل على الوطن أن يتحول إلى سيولة دائمة في نظر الحكّام والمحكومين على حد سواء؟ وعلى الدولة بالتالي أن تدفع باستمرار كل الفواتير المسحوبة على المواقف التي يتم تداولها فوق طاولة الأمم؟ 
هي ثقافة الاستدانة إذاً التي تجعل أهل البلد وأهل السلطة (بأشخاصها المكرّسين) في مركب واحد، طوعاً لا غصباً، كما يشاع على الدوام!


أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!