بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

20 أيار 2022 12:03ص جوارب!

حجم الخط
في صباح كل يوم أعبر شارعاً، فيه حانةٌ صغيرة، يُلقي عليّ صاحبها التحيّة بانتظام كأنّه ينتظرني. يجلس فوق كرسيّ صغير كأنّ الريح تحته، ويُمسك طوال الوقت ببضعة جوارب، لعل أحداً من المّارة يقف على خاطره؛ فيشتري منه شيئاً. فعلتُها مرةً واحدةً ثم آثرتُ السلام على الكلام. فالأسعار التي يطلبها لبضاعته لا تتناسب مطلقاً مع النوع الرديء الذي يبيعه. وهو قد فهم منّي ذلك؛ فصار لا يعرض تحسّباً، وصرت لا أعترض احتساباً. ما لهذا الرجل الستّيني الطويل القامة، النحيل الجسم ينتظرني؟ ما الذي يعنيه له عابرُ سبيل يشدّ بخطوه حبلَ النهار لعلّ عقدَه ينفرط سريعاً تحت أقدامه؟ هو أحداً لم ينتظرْ بحق. أنا كنت أبحثُ عنه لأوْهم نفسي بأنّ الطريق هي الطريق؛ لا تقودني إلى الجحيم! أما هو فلعله يبحثُ عمَنْ ينظر إلى قلقه بعين المرآة. كلانا على هوّة صباحيّة واحدة. وكلانا ننادي ربما على غرض واحد: جوارب للقدمين من جهته؛ وجوارب للعقل من جهتي. هل تواطأنا على لحظة هالكة راح كل واحد منّا يجذبُها إلى طرفه ليتغطّى بها قليلاً؟ مجرّد لحظة عادية أردنا لأرواحنا أن تلبسها بدل أن تنزلق كالماء فوق أجسادنا؟ لكنّ الوقت ليس كمثل الماء يرجع ُويُكْمل دورته. بل وراءه يجرّنا أبداً حتى تتقطّع خيوطنا الواهية ونسقط كخِرْقة ممزّقة من قميص العالم. قاس هو الانتظار. وأقسى ما فيه أن ننتظر وطنًا ولَدَ ولم يوْلد بعد. وطنٌ يفرّ منا كلّما إليه فررنا، ويُشيح بوجهه كلّما إليه تطلّعنا. هناك بائعون كثر. يبيعون قمصاناً شتّى. كل قميص بلون ونكهة ولغة. لكنّ السوق لا يصنع وطناً، والبورصة لا تخلق شعباً. أعود إلى بائعي المسكين الذي ينتظرني كل يوم على استحياء. غداً سأقترب منه حدّ الإصبع. سأعرف إذا ما أدلى بصوته أم بصمته. وسوف أتابع طريقي المعتاد مستعجلاً أكثر بينما سترتطم أفكاري بكل الأشياء التي من حولي، بالأشياء التي لن تتغيّر في غرفة الإجهاض الكبيرة، قبل أن تعود إليّ بطعم الحكمة والمرارة كأنّ شيئاً لم يكن!

أخبار ذات صلة