بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

20 آب 2020 12:00ص حرام يا بيروت

حجم الخط
هي صبيحة الخامس من آب.. نهضتُ باكراً مع تفتّح عيون النهار.. رغم أنّ العين لم تعرف للنوم من مطرح.. إثر ليل مشحون بالوجع على وقع مأساة مدينة كانت عروساَ للمتوسّط.. وإذ بها شمطاء تتقاذفها الجراح.. وترمي بأبنائها أشلاءً فوق رمال قدموس.. وضفاف الحلم المسروق..

إلى صوب الأنين حملتني أذناي.. أسمعُ صوت بُكاءٍ قريب أعرفه.. نعم إنّها هي تبكي بحرقة وتتنهّد وكأنّها فقدت عزيزاً.. مكلومة من وجع الفراق.. وموهومة من هول ما تراه عيناها.. حتى لسانها كان يُردّد ما لم أفقهه بداية الأمر.. فاقتربتُ على عجل.. ولكن في خطوات أرشق من ريشة نعام.. لأسبر غور ما يجري على مقربة منّي..

كانت تقول: «حرام يا بيروت.. حرام ليه هيك صار؟.. مين عمل هالحرب؟ (لا تعرف أي تفاصيل عن انفجار الغدر في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت.. فبراءة طفولتها لا تستوعب بشاعة الكبار).. بيروت عم تبكي وأنا كمان عم إبكي.. حرام الحرب وحرام العالم يموتوا»..

فمضيتُ على عجل أحضنها.. وأكفكف دمعها الذي غسل وجهي.. حتى انصهر دمعها بدمعي.. فقالت: «مين عمل الحرب ببيروت؟!.. مبارح قلتلي محل ألعاب انفجر يا بابا.. بس أنا شفت كتير حرب وكتير ناس ماتوا.. وكتير في بنات عم يبكوا ويصرخوا.. وفي ماما كانت عم تقول: وينو إبني؟»..

لم أعرف بأي كلمات أرد عليها.. لم تسعفني عباراتي لأخرج من صمتي.. وأرسم لها صورة جميلة عن مدينة كانت تعني لها.. الفرح والمرح واللعب مع الحمائم وعرائس الطفولة.. حيث البحر صديق درّاجتها.. ورمله ينثر الروح في جسد الإسفلت.. فتعدو في وسط العاصمة وقلبها اللامتناهي.. وتسب الأحلام على كورنيشها ورصيف العمر المسروق..  


أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!