بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

25 تشرين الثاني 2022 12:00ص حلمٌ أرحبُ من زنزانة!

حجم الخط
العمرُ قطارٌ، والحياةُ أقلُّ من رصيف! بين محطةٍ وأخرى، أتّكئُ على نافذةٍ خضراء بأنّ الحقولَ ستغدو ذهَبًا لروحي، والعصافيرَ جبينُ حبْرٍ لدفاتري المنكّسة. أنظرُ إلى الخارج فلا أرى خارجًا. أرجعُ إليَّ همْسًا. ولا أطالُ من نفسي إلا حافّةَ نفسي النّاحلة. الأشياءُ في رأسي كأنّها أجراسُ كنيسةٍ مَنسيّة. لا أفكّرُ في غدي المصلوب. أتركهُ ينبَجسُ أمامي كقيامةٍ جديدة. ذاكرتي شاطئٌ طويلٌ لسلاحف الوقت العائدة. وعطرٌ لمواعيدَ فائتة يفوحُ من دمي المتجمِّد. على الشّباك بجانبي بخارٌ لأمنيةٍ أرتّبُ فوضى نظراتها إليّ. كأنّي لست هو الآن، كأنّه ليس أنا البارحة! صخبُ ألحانٍ يشقُّ الوجودَ عن ناياتِ عزوفه، ومَعْمَعةٌ حرّةٌ تُقرّبُ العدَمَ من أوتار قلبي المثقوب. الموسيقا سجّاد أحمر يمتدُّ مرَحًا في متون الصحراء المقبلة. على خُطىَ السّراب أمشي وسط حُرّاس الجّهات المنهوبة. أبدّدُ في الصّدى أحوالًا من ريحٍ وزغَبٍ كان يقودني إليكِ مُصَفّدًا برؤى الماء والملح. جسدي مُحاصرٌ بنحلِ المسافات ووجهي بذبابِ المرايا. وأنايَ ريشةٌ حطّت فوق صخرة الكلام هباءَها الوديع. المواقيتُ هي المواقيت؛ شموعٌ لهبوب الظلام في فناجين عيوني الفارغة. تغدو أيّامي أقلّ نباتًا من دمعةٍ في حقل الأحزان، وأكثر نقاوةً من سماءٍ فوق صدْر الوداع الوسيع. بياضُ الثلج قرأ جميع مُسوّداتي المتلعثمة كخصل الوردِ إليكِ. فكيف لا أخافُ من حديقة شعرك المؤجّل إذا ما غرَزت شجرَ انتظارها الليلكيّ بين أسطر روحي الضيّقة؟ لماذا يركضُ العالمُ أسرعَ من فرح غزالةٍ خلفَ زجاج يديّ المنثور؟ كأنّ المشاهدَ حين أتفرّسها تعدِمُ بعضها بمسدّس كاتمٍ للصوت. كأنَّ ساحرًا فرعونيًّا يمطُّ روحي على امتداد أشيائه المحنّطة وهي تتناسلُ من بعضها على حبل القرون. صفّارات الوصول تُغادرني سريعًا. ووجوهٌ تُبدّل وجهة سفري مع أوّل ابتسامةٍ غامضة. لكنَّ حزني في مقعده هادئ. يسافرُ معي دائمًا وأسافرُ معه. والحزنُ قاتلُ الوقت الصّامت، والسّفاح المتسلسلُ خلف ضفائر المساء ونواطير الحكايات. يُنسيني الحزنُ بعض أحزاني الطريّة مثل أسماك الزّينة. يطويني أشرعةً سميكةً لمجْدِه الغابر في البحار الصّدئة من صرخات الملوّنين. يكنسُ وجهي بالظّلال الحديديّة للتّاريخ، فأضيّعُ الطريق الملكيّة إلى حُنجرتي السمراء. أحدّقُ في الأسامي عن فاصلةٍ بعيدة. نقطةٌ في سقف ليلي العالي لا يلتئمُ نزفها القمريّ. وشتاءٌ يرمي معطفَه البارد فوق عناوينَ عظامي المبعثرة. أيّها الدّربُ العنيدُ فيَّ اترك لمشواري بئرًا أخَويًّا وحُلمًا أرحبَ قليلًا من زنزانة!
أخبار ذات صلة