بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

15 نيسان 2022 12:00ص خربشة!

حجم الخط
كل كتابة يكتبها كاتب هي إما لتأبيد واقع أو تكريسه لأطول فترة ممكنة أو لتغيير واقع كلياً أو جزئياً ومن ثمّ نشدان الأحسن منه فالأحسن. وفي الحالتين فإنّ على الكاتب أن ينحاز صراحة ؛ مبيّناً دوافعه وموضّحاً مطالبه. فإذا كان التغيير هو الهدف المرسوم على الأرض أو ذاك المأمول في النّفوس، فإنّ قلماً لا يسيل حبره في هذا المجرى المزدوج، لسوف يتجمّد عاجلاً أم آجلًا في مكانه فوق مُسطّح بياضٍ يزداد من حوله اتّساعاً وجفاءً. بذلك تُصبح الكتابة الفعلَ الأشدَّ قساوةً للروح الحرّة ضد نفسها. مجرّد رصف عقيم للكلمات، واحتمالٍ في اللغة لخواء معنويّ غير محدود. قلمٌ بظلال مكسورة فوق فواصل مُدبّبة ومُسمّمة كخناجر خيانة، يتوزّع عليها إرَباً إربَاً لحم الأيام الخائفة. نأتي إلى الحياة لكي نختلف. فلولا الاختلاف لبقينا سديماً أعمى يدور حول نفسه. ولبقيت أصفى كلماتنا أرخبيلاً من مستحيلات. بيد أنّ مكتوباً لا يبلغ به مخاضه ولادةً جديدةً، إنّما هو إلى المحو أقرب. كأنْ محواً على محوٍ  نكتبُ، مثل موج فوق شاطئ أبيض. ينامُ الرمل في ساعاتنا كدوائر حول أمّها. وهذا الصرير الذي لا يوقظ غير الأشباح فينا، لا يخدش جلد ليلنا السّميك. يُقلّم القمر أظافره خلف سطوحنا الخافتة، ووراء تلال العيون المكدّسة كالعماء. ولا ضوء في حروفنا لنغسل به وجه القمر أو ندحرجه عن غفلته العالية. كلماتٌ في الهواء؛ تعلو وتهبط. خريفٌ فوق سطور صفراء ويابسة. حائطٌ من صراخ.. من كلام.. من فقاقيع معان ملوّنة. نرمي أقلامنا في السباق الموهوم. لا تذهب الأقلام بعيداً. ترتدّ إلى نحور أبجديّتنا. تنحرُ أبجديّتنا. لكنّ أقلامنا أكثر طولاً الآن.. بما يكفي للخربشة على جدار الصمت الرهيب!

أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!