أيام الصبا والشباب (الا ليته يعود يوماً) وفي بيروت الزمن الغابر أيام البركة والعيش الهني، أتذكر مرّة انني كنت أعبر الشارع في ساحة الشهداء ما بين سينما روكسي ومحل «دليس» لبيع الكاتو عندما احسست من ينقر على كتفي، ونظرت كان شرطياً يأمرني بإبراز هويتي، اعطيته إياها فأخرج من حقيبته دفتر المخالفات وبدأ بكتابة محضر مخالفة.
سألته ما هي المخالفة؟
قال اني عبرت الشارع والضوء المخصص للمشاة يضيء الأحمر، وكذلك من خارج ممر المسامير الذي يُحدّد مساحة العبور وكان علي أن أدفع مبلغ (ليرة وخمسة قروش) أو يقتادني إلى مخفر البرج.. فدفعت.
وبعدها في سينما (ستاركو) وأنا أشاهد فيلماً لشارلتون هستون، إذ ينقر على كتفي شرطي يطلب مني مرافقته إلى خارج الصالة، حيث طلب الهوية ونظم محضر بقيمة (ليرة وخمسة قروش) غرامة بجرم التدخين في قاعة السينما.
وتزدحم الذكريات ومنظر جارنا (أبو سامي) القصّاب وشرطة البلدية تقفل محله لأنها رأت بقعة من دماء (الذبيحة) على أرضية المحل.
أما عند المشاكل على قلتها في ذلك الزمن فلا يُمكن أن ننسى هيبة الفرقة 16 وهي تحضر بسيارة الـ«ستايشن» السوداء لفض الاشكال.
وعلى صعيد النظافة كان قرع عامل تنظيفات البلدية لباب المنزل لأخذ النفايات يومياً في موعد محدد أمراً عادياً، وكذلك محضر الضبط بحق جارتنا المقيمة في الطابق الارضي قرب منزلنا لأنها شطفت أرض بيتها وتركت المياه على الرصيف أمام المنزل.
تلك أيام لا تنسى..
تلك بيروت التي عشناها ولا نزال..
هو الفرق بين الأمس واليوم.. وبين الأبيض والأسود..
هي الذكريات، والذكريات صدى السنين الحاكي.. أو الباكي.