من المؤكد ان راس كل لبناني قد
انتج حتى الان اطنانا من الافكار بشأن الحلول الواجب اتباعها لتخليص البلد من
ازماته المتراكمة. ومنها طبعا آلاف
المقترحات حول الوزراء والنواب والطبقة السياسية عموما التي لا يختلف لبنانيان على
مسؤوليتها المباشرة عن الخراب الممتد اليوم في البشر والحجر وفي البر والبحر. سمعت
من يتكلم عن ضرورة تغيير الطبقة الحاكمة باكملها ومن يتحدث عن قوانين صارمة ينبغي
تشريعها لكبح جماح الاغنياء واصحاب النفوذ العائلي في الوصول الى الندوة
البرلمانية او المؤسسات الدستورية او المناصب الوزارية. وقد أسرف بعض الناس في
طلباتهم حتى وصل بهم الأمر الى تخيل مجلس نواب من المتواضعين والكادحين الذين
يركبون العجلات الهوائية في تنقلاتهم ويتبرعون بكامل معاشاتهم ومستحقاتهم المالية
للفقراء والمساكين والمؤسسات الإنسانية. لكن مهلا. هذه الأفلاطونية التي يتقمصها
كل لبناني حين يتحدث إلى نفسه او يلقي موعظة الجبل على الآخرين هل هي صحيحة؟ وهل هي من نسيج طباعه واخلاقه ومن مداميك
حياته اليومية؟ لا اجد هنا غير الاسف. فلسنا في الحقيقة على شيء من هذا. ولأن
الحقيقة تحرركم كما يقول السيد المسيح عليه السلام أمضي في أسئلتي مستعيذا بالله
أن اكون من الجاهلين او المستهزئين. فهل فعلا يحب اللبناني الفقير أكان مسؤولا
رسميا أم مواطنا عاديا؟ وهل حقا يقدر اللبناني عاليا التقشف في الحياة والمعاش
والنأي بالنفس عن الأبهة والعظمة والفخفخة والجاه والخيلاء والوجاهة والتباهي
والكبر و العجب والزهو والمجد والغرور والتبجح والزهو والعنجهية والغرور والمجد
والمهابة؟ وهل يغلب اللبناني الجوهر على المظهر والمعنى على الشكل والدين على
الدنيا والعقل على الهوى والروح على الجسد والاخلاق على التجارة والربح وما في
الغيب على ما في الجيب؟ لا أجد جوابا سوى الحسرة. فقد اعتدنا ان نقول ما لا نفعل
وان نفعل اقل ما نحن به قائلين. اليس الحكام على صورتنا؟ اليسوا بالنسبة الينا
مرايا ننظر فيها الى انفسنا ونعض على شفاهنا حسدا؟ من منا لا يريد ان يكون في
مكانهم؟ من منا لا يحلم بمنصب او وظيفة بين يدي السلطان؟ من منا لا يتصل قلبه او
عقله بشبكة زعيم هنا او مسؤول رفيع هناك؟ من منا لا تقوده مصلحتة الذاتية الى
الوقوف على باب هذا الرئيس المحروس او شباك ذاك المرؤوس المقرّب؟ من منا لم يلق
بصوته في غيهب الصندوق الانتخابي ثم رجع الى ابيه باكيا كأخوة يوسف؟ من منا لا
يقول لغيره: أبي اقوى من ابيك؟ من منا لا يحتمي بظلال الشيطان هربا من ظهيرة الحق؟
نرسيس أحب صورته في البحيرة كلعنة أصابته لغروره وافتخاره بنفسه حتى قضى فيها في
العشيّ نحبه غرقا. ولم يتحول الى زهرة جميلة الا عندما بزغ نور الصباح!