بيروت - لبنان

حكايا الناس

22 نيسان 2022 12:00ص زمن البلاهة

حجم الخط
في زمن البلاهة لا وقت للبلاغة. وفي زمن يسود فيه الخبيثون والخبيثات، وينعزل الطيّبون والطيّبات، لا وقت حتّى للوقت. على الكلام أن يتسطّح مع غريزة البقاء، حينما يُصبح هذا الأخير حقّا للأقوياء والأغنياء دون الضعفاء والفقراء. فلترتطم رؤوس هؤلاء بالقعر السّحيق للجوع واليأس، وليجرّدوا من كل شيء ما خلا صرخاتهم العالية إذا ما أسعفتهم حناجرهم المخنوقة بَعْد على التّمسك بحبال الهواء، ونوبات الفزع التي تكسو جلدهم مثل بُقع الجدري المُزمنة. فهل يُسمع للغريق صوتٌ تحت بريق الزّبد؟ وهل للمريض أملٌ إذا ما انقلب الدواء بين يديه إلى داء يفتُّ في عَضُدِه مع كل طلوع شمس؟ 

في زمن البلاهة والخُبْث الشّديدين يتعاظم الخوف في القلوب، وتتحدّب المرايا في النفوس لتبدو الكبيرة فيها أصغر شأنا منها أمام خداع الضوء وزيف الصور. يوم يتقزّم العقل بفعل فاعل، وتسقط مُخيّلة الناس في أقبية الرغيف وبين أغلال التجّار والمُحتكرين، وتتحاربُ العامّة على طواحين الكلام الفارغ بلا حصيلة. ويوم لا يكون للخير من طائل ولا للشر من حائل، وترى الجميع في ضيْق من عند أنفسهم؛ بين الواحد وذاته جدارٌ موْحِشٌ لا يدري إلى أيّ جهة منه يقف شخصُه. عطشى يزحف دمُهم على شرْبة ماء بينما كل شيء من حولهم سرابٌ بسراب. الأحاديثُ اليومية بين الناس ملهاةٌ كبرى وموْقِدةٌ للوقت؛ وبين الواحد وظلّه عتابُ الشّجر للخشب. 

في زمن البلاهة تكثرُ الأوهام وتتقعّر، فيما تزداد العقول تسطيحاً. لا تجدُ مَنْ يحمل فكرةً فتُثقل عليه نهاره أو تسّد عليه باب منفعة عند صاحب مال أو سلطة. العادةُ عملةُ الجميع ورأسمالهم الوحيد. يجمعونها بصبر ويحشون بها وسائد مستقبلهم، ثم يتفرّغون في حاضرهم لأمر وحيد: أكل بعضهم بعضاً. الانقضاض على قشة في يد غريق يتشبّث بها للنجاة. كسرة خبز تُطرح من فم معدوم. فبرسْم العادة تُطحن العظام وهي حيّة كأنها رميم. وتطأطأ الرؤوس أمام الحكام وتذل الهامات، ويداس على الكرامات دونما حساب. ففي زمن البلاهة كل شيء معقول، إلا العقل مطرود بلا رجعة.     










أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود