تأبى نفسي الكتابة. كلُّ الكلمات خارج الخدمة الآن. الانفجار الكارثيّ الهائل وغير المسبوق الذي تجرّأ على بيروت الحبيبة، بيروت المتسامحة بأكثر مما يوصي به التسامح، حطَّمها، سحَقَ كلَّ حروفها، وطحَنَ ما تبقّى لها من معنى. التحمَتْ بأشلاء اللبنانيين الضحايا على الطرقات، وفوق شرفات المنازل المدمَّرة والأبنية المُصدَّعة، واختلط حبرُها بالدماء الشريفة التي صدَّت عن العاصمة الأبيّة الوحش الكاسر الذي وطأ سماءها المُسالمة فجأةً، ونفخَ عليها الموت والنار والدمار.
كثيرٌ هذا الحقُد على بيروت التي لم تحقدْ يوماً على أحد. كثيرٌ هذا الفساد الجبّار، وهذا الإهمال الكافر على بيروت التي تعوّدت أن تُكرمَ الجميع، وأن تفتحَ أبوابها لكلّ قاصدٍ ومحبّ.
بيروت الناعمة، الهادئة، المثقّفة، الحالمة، والمحبّة لكل جميلٍ، والمتقبّلة لكل مختلف وجديد، حرامٌ أن تُدمّرَ، وأن تُفجعَ، وأن تُزلزلَ بأيدٍ من الداخل ومن الخارج.
زهرةُ الشرق، حرامٌ أن تُقتلعَ أو تُحرقَ أو تُنكبَ أو أن يُعذّبَ عطرُها الفوّاحُ في أقبية الخوف والعفن السياسي العظيم.
حرامٌ أن يُداسَ على جناحيْها البرّاقيْن كي تزحفَ على بطنها أمام شيطان الفقر والجوع.
أما اكتفيتم من بيروت بعدْ؟ كم مرةً على مدينة الحياة أن تموتَ كي تستريحَ أحقادُكم فوق أنقاضها؟ أما شبعتُم من نهْشِ لحمها حيّةً، وتوزيع عظامها على كلابكم؟ أما سكِرَتْ سيوفُكم وخناجركم ورماحكم بعدْ من نخب الدم من هذا الجسد المصلوب في العراء؟
شكراً بحرُ بيروت الوفيّ. لولا فتحتَ صدرك العاري لهذا الحقد البشريّ الرهيب، لصارت بيروت قرطاجاً ثانية!