بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

6 أيار 2022 12:04ص شيء من الفلسفة!

حجم الخط
استأذن قارئي بشيء من الفلسفة..
أحبُّ الفلسفة حتّى أكرهها، ثم أحبُّها من جديد! وفي المرة الثانية أبحث عن شيء أحبّه فيها لا يكون شبيهًا بالمرة الأولى. فالحب لا ينضب؛ ليس لأنّ الكره لا يعتريه أبدًا أو  لا يتداخل معه حينًا، بل لأنه قادر في كل مرة أن يأتي بأمر فيه مختلف. فالحب اختلاف مستمر وتنوّع دائم. لا يسمح الرجل المحافظ أن يُمدح جمال امرأته أمامه. وكذلك نفسي، لا تسمح لي بالركون إلى حديث الماكرين عن الفلسفة: لا مدحًا ولا ذمًّا. وبين الاثنين، حديثُ المادحين هو الأثقل على روحي. كأن غريبًا يعترف أمامك بعشقه لامرأتك. سوف لن يزيد ذلك في حبّك لها خوفاً أو قلقاً. ربما يحدث العكس. مديح الفلسفة ينفّرني، يجرح رهافة أحاسيسي، يحرّضني عليها، ويزرع بيني وبينها حقلاً شاسعاً من الشكوك. فكيف إذا جاء هذا المديحُ من شخص غمْر يريد أن ينتسب إلى الفلسفة من هذا الباب الفقير. أما كانت الفلسفة انتهتْ لو قبلت بخطابات المديح؟ فهي لا تستحق غير الإنكار والرفض الدائمين . بهذا الاستحقاق وحده تظل حيّةً وتُكمل طريقها الطويل. ثمّة مشتغلون بالفلسفة ظاهرًا هم منشغلون عنها جوهراً. أمثال هؤلاء يصيبونني بقرفٍ مستديم (وبعاهة أحياناً!) عندما يُطلقون حناجرهم في الهواء «دفاعًا عن الفلسفة» كأنّهم فوق مسرح لشكسبير، ووسط حشد ينتظرون منه التصفيق لهم ولو بأيدٍ فارغة. كأنّ إطلاق النار عشوائيّا فوق الرؤوس من مسدّسات الحداثة يكفي لفرض الهيبة أو إفزاع الخصوم. العقل، النقد، التفكيك، الأنا أفكّر… رصاصٌ في كل مكان: فوق وتحت؛ يمينًا ويسارًا. لا يتفلسف من يهاب الفلسفة. ولا يعرف الفلسفة من يبني لها قصرًا أو يُحيطها بأسوار عالية من أوهامه. فالفلسفة بداوة وترحّل لا ينقطعان. وهي ليست حصانة لأحد ضد أحد أو من ترّهات العقل مع نفسه. الفلسفة هي استعداد فردي خاص لاحتمال أسئلة الجماعة. أما قصة الحرب المقدسة للفلسفة على الدين فينبغي أن تُختم فصولها المريضة في نفوس كتّابها الخياليين. فالفلسفة كما يقول أحد أساطينها هي فن تعلّم أن نموت. واذا كان  الدين الحقّ هو خطاب العقل للوجدان بمعنى الوجود جوهرًا وغايةً، فإنّنا على الأقل أمام سلام واحد لم ننجح بعد في ازالة قشرة الحروب العبثية عنه. دين بلا عقل يشبه فلسفة بلا وجدان. كلاهما سطوة المجنون على آرائه. آه أيتها الفلسفة البريئة كم من الآثام يرتكبها الحمقى باسمك؟!

أخبار ذات صلة