بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

5 آذار 2021 12:00ص صفر للجميع!

حجم الخط
في مثل هذه الأيام العصيبة أشعر بخجل من الكتابة. فالكلمات لا تصير طعاماً في زمن الجوع ولا سياجاً في زمن الخوف. أخشى أن أكتب فأُثقل على الناس أحاسيسهم أو أقول هذْراً في أوضاع مصيرية خرجت عن كلّ سيطرة. لم يبقَ للكلمات سوى خيط هزيل من الضوء يجرّ أشلاءه فوق سيوف العتمة المرفوعة في كل مكان. والمفردات تنزفُ دماً أسود. 

بيد أن لا أحد سيُجبر الوقت على حصّة من الوقت يُقدّمها لنا للوقوف على الأطلال كفحول الشعراء القدامى أو لتلقّي واجب العزاء كأهالي الضحايا المفجوعين. أخشى والقلم حيلتي الوحيدة أن أمسح به أملاً صغيراً قد نجا من مجزرة الواقع الرهيب.

 فالرصاصة أحياناً أكثر رحمة من القلم. لست صانع أمل ليحين موعدي مع أحزانكم؛ فارموا بكلماتي في سلّة مناديلكم المبلّلة. وليس في مطبخي وجباتٌ سريعة للحقيقة أو حساء ساخن للشفاء من الأمراض المُزمنة؛ فلا تدخلوا منزلي الزجاجيّ ولا تنتظروا أن تُكلّمكم جدرانه أو تؤمّنكم على أحلامكم مراياهُ المُقعّرة.

 لكنّني تعوّدت أن أخاطبكم من وراء حجاب الكلمة. أن أُشفق عليكم وعلى نفسي بسيولة أبجديةٍ، أضخُها من قلب مترع بالأوجاع، كي تجتاح كل سدود الصمت بيننا وحصونه المنيعة. ولكن حين يتحوّل الصمت إلى ذهول يصمُّ العقول، وحين يصير لون الأبجدية أحمر مثل قرص الشمس عند المغيب، تنكفئ الكلمات بين يديّ، ويتجمّد الحبر في محاجر أقلامي، وأجدني وجلاً من مهنتي في زمن العطالة عن التفكير. 

فما بين الخراب والخلاص فكرةٌ يُريدها الجميع أن تظلّ ضائعةً بينهم، فيما يدّعي كل واحد منهم بأنّ البحث عنها جار. أما الوطن الصغير، فالكلّ يركله أمامه، ككرة يركض وراءها الصغار، وهم يتّجهون بها نحو شباك غامضة، والنتيجة في الآخر: صفر للجميع!    


أخبار ذات صلة