هي ليست على ما يرام. أعرف ذلك جيدا ويعرفه كثيرون غيري. يكفي أنني رأيت ذلك بأم عينيّ في أكثر من مدينة فرنسية: الشغب المجاني، الأذى على الطريق، عدم احترام القانون في كل شيء تقريبا، والأحياء القذرة التي ليس الفقر مصدرها الوحيد. لم تعد المسألة مجرّد نزعة عنصرية ضد فئات معينة من المهاجرين أو اللاجئين الفارين من بلادهم لألف سبب وسبب. هناك صورة للذات لم نعد قادرين على صنعها بأنفسنا من دون مشاركة الآخر فيها. بات تقييم الهويات أو الأفكار المختلفة أمراً كونياً إلى حد بعيد. والصراع المحتدم اليوم في العالم هو صراع النماذج. والرهان كله حول من يدّعي أن نموذجه هو الأصلح للإنسانية؟ سواء في النظر أم في العمل. لكن العرب عموما باتت صورتهم خارجهم تماما. تُفبرك لهم ثم تُعاد إليهم ليقبلوا بها بكل سرور. كل ما عليهم فعله هو أن يغذوا بتصرفاتهم الطائشة وطرائق تفكيرهم المشتّتة وعنفوانهم الذي يخطئ محله غالبا، هذه الصورة المنمّطة، تماما مثلما خبير في الآثار مع جثة محنّطة منذ آلاف السنين ليجعل موتها أكثر إشراقا. لم اعد قادرا على إنكار ان اليمين المتطرف في اوروبا سيجد فرصته الذهبية في التعريض بهذه الصورة الشائعة التي ارتضيناها لأنفسنا من أجل أن يكسب معركته الخاصة على السلطة. عندما يعتدي شاب عربي لاجئ أو مقيم على النظام العام ويدوس على القوانين جهارا، فإنه سوف يعاقب في نهاية المطاف. لكنّه لن يدخل السجن فردا واحدا وحيدا. جماعته هي أيضا سوف تدخل معه الإطار الحديدي لصورة بشعة يراد لها أن تبقى أسيرة لها مدى الحياة. لا شك بأن بعض الدول الغربية حين تستقبل مهاجرين عرباً أم غير عرب، ترى في ذلك ديناً على هؤلاء الآخرين أن يسدّدوه بطريقة أو بأخرى. الاندماج مثلا كمطلب أساس لحكومات أوروبية عدْة هو أحد أشكال سداد هذه المديونية المفترضة. نشر الديموقراطية ولو عبر حروب إبادة وتجويع هو أيضا شكل آخر من همجية «الدائن» تجاه «المدين». لكن في المقابل لا يريد هذا «الدائن» المسلّح جيدا وإلى الأبد» أن يعترف ولو في كبوة من كبواته التي يتطلّب تجاوزها مراجعة بسيطة للذات، أنّه مدين هو أيضا إلى هذا «المدين». فلا دين بشري يستمر إلى الأبد. وعليه فإن إصلاح صورة المهاجر أيًا كانت هويّته هي أيضا مهمة من يسمح هذا الصورة أن تنفلش من دون أن يتصدى لعلاج جذورها الحقيقية. الاعتراف بالآخر كدائن حقيقي ومن ثم الاعتذار عن ماض استعماري رهيب ونهب منظّم لثروات الشعوب. لا بد للديموقراطية ان تبدأ عند نقطة حقيقية لكي تبدأ منها وهذه النقطة هي حتما الاعتراف.