بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

18 تشرين الثاني 2022 12:00ص طافحاً بالوداع... مثلك!

حجم الخط
لا أحدٌ يسألكُ عن الموت. ولا أحدٌ يُخبرْكَ عنهُ ما يستحقّ. تعرفهُ لوحدك. يحضرُ بَغْتةً. تارةً بعنايةٍ فائقة، فتتحسّسُ في تباريح غيرك أنفاسَهُ، وفي ملامحهِ المتقوّسة أصابعَهُ؛ وتارةً أخرى، خبطَ عشواء، كمثلِ رمية نرْدٍ في لعبةٍ، لم تُدركْ بعدُ كلَّ أسرارها. لكنّكَ سألتَ عن الموت. كنتَ صغيراً، ولم تحتجْ غيرَ نفسك. يُنسينا الموتُ، رأفةً بحياتنا الضئيلة، نفسَه. لكنّك لم تنسَ. وفي كل مرّة كنتَ تلاحقهُ أو كأنّك تطاردُه، لتسألهُ: من أنتَ؟ وصغيراً دخلتَ مع الموت في تسويةٍ شريفة: لن أكرهك قُلتَ! وأعطاكَ الموتُ ما تريدْ. وكبرُتَ فكبُرَ معكَ. وحين قرأتَ عنهُ صرتَ تفهمه أكثر، وصارَ يفهمَك. وكنتَ حاضراً في أوقاته، وطافحاً بالوداع مثلَهْ. وأعجبَك أنّك كنتَ تسبِقُهُ إليه؛ فلا يفجعُك إلاّ قليلا. لكنّ حزنكَ كان أبعدَ منه، قلتَ في نفسك: فأنا لا أخافُ النهايات، فهي واضحةٌ في فوضاها، وجليّةٌ في عبَثها. لكنْ تُخيفُني البداياتُ في غموضها الجليل. فلا هي تنكشفُ من ذاتها، ولا هي تنفكُّ عن التباسِها الدائم. وما الموتُ إلا حديثُ نهاياتٍ لا يُفزعُني، بقْدر ما يُقلقني فيه انتظارٌ طويلٌ لبدايةٍ أخرى. لكنّ الموتَ سبَقَك، وكان فاتحةَ البدايات عندَك. ورثتَه في دمك، وفي سيرتكَ، وسوف يرثُه، في حصادِ أوراقكَ، منْ يأتي بعدَك. وفجأةً وجدتَ نفسك هدفاً غير منشودٍ للموت. أصابك مرّاتٍ لكن في غيرك. وبقيتَ وحدك تُدرّبُ أيّامكَ على صداقةِ البنفسج العسيرة. وكنتَ تقولُ للموتِ في نومِكَ: سأمنحُكَ خسارتي! فلا تمتحنّي أبعدَ من حصَّتي في العزلة. وتعال إليَّ، إنْ شئتَ، بلا صخبٍ أو تردُّدٍ، فلنْ تقطعَ عليَّ سوى وحْدَتي وذبولي. وأَعلَمُ أنّك ستردُّ إليَّ، على عتبَةِ الحقْلِ، ذاكرتي سنبُلةً لأغنيةٍ منسيّة، سأسمعُها قبلَ أن يشطرَني صوتُك إلى نصفيْن. ولا تنسَ أيّها الموتُ المعافىَ من صنيعِكَ فينا، أن تُلملمَ عن الأشجار شظايا روحي، إن انفجَرَتْ في يقينها أو في ريبتها. واتركْ لجسدي الملقىَ على السرير أو في التّراب، مُتنفَّساً لحياةٍ ضئيلةٍ أخرى، بلا تأجيلٍ أو انتظار!

أخبار ذات صلة