بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

10 تموز 2020 12:00ص ظلامٌ.. ظلامٌ!

حجم الخط
ما الحاجةُ إلى الكتابة في هذا الوقت العصيب؟ ما نفعُ الكلمات إذا كانت السطور كلّها سوداء؟ وما قيمة أي شيء في زمن تعمْلقِ الأقوال وتقزّمِ الأفعال؟ كم من اللعنات أصابت أبجديتنا؟ كم من الطعنات مزّقت أكباد الهواء والبحر فينا وشوّهت وجه الماء؟ ماذا نكتبُ حين يصير الصراخُ المجاز الوحيد على بقائنا أحياء؟ أحياءٌ كظلالٍ باهتة لشجر مقطوع، كنهار محنّط في متحفٍ لسرقات التاريخ، كمآذن اقتُعلت حناجرها، وككنائس هجرتها القيامة؟ 

ماذا نقول عندما يهمسُ الظلام في قلوبنا: أنا حبْرُكم الوحيد؟! وحين يقول الجوعُ للجموع: أنا ما تبقّى من أجسادكم الطريّة؟! أو حين يشاطرنا الغيمُ حزن التراب وعطشه للبكاء؟ أيّ أملٍ نأكل خبزَه من تنّور الأحقاد؟ أيّ عيْشِ نشربُ قهوتَه من طاحونة العظام؟ وأيّ جرحٍ ننتظر أن يبرأ في مشافي الحرب؟ لم يعدْ بوسعنا التصالح مع شيء. لا مع اليوم ولا مع الغدْ. لا مع ما فات منا من كرامةٍ ولا مع ما سيفوتُ بعدْ. البحرُ انتحرَ موجُه. 

الأرضُ نبتَ خرابُها. والسماءُ أزلفتْ غضبَها. لم يعدْ بوسعنا التصالحَ مع أحد. لا مع أنفسنا ولا مع آخرنا. الأنا هي الجحيم، الآخرون هم الجحيم (سارتر)، والجحيمُ هو وحده جنّة العاطلين عن كلّ جنّة! لم يعدْ بوسعنا الكلام في غابة الأصفاد والحديد. نامت الأشجارُ على غصون رحيلها البعيدْ. فؤوسٌ خضراء تُشعلُ البلابل بالصمْت، وتقتلعُ أظافرَ الأزهار الملوّنة. أحلامٌ زرقاء تُلقى في الزنازين الضيّقة. 

إرهابٌ أن تحلمَ في مقبرة؛ فلعلّك توقظُ الأموات! خرافٌ تأكلُ من لحمِ قطيعها النيء. عواءٌ عواءٌ.. ذئابٌ تشتمُّ المسافة بينك وبين الهرَبْ. إيّاك والخلاص! فامتحِنْ إخلاصَك بالنار، امتحنْ جسدَك بالصلْب، وامتحنْ ما تبقى لك من فرح عابر بالعزاء الدائم. ظلامٌ، ظلامٌ، ظلامٌ، يُسيّجُ دمكَ بالطيّون، وقلبَك بالصبّار. ظلامٌ، ثورٌ هائجٌ ينطحُ أحلامَك بقوّة، ويرمي بها خارج الحلبة. تخسرُ لقبَك على الوطن، تخسرُ قلبَك على التراب. يَصرعُك الوطن فوق أرضه، ويصارُعك الحنينُ إليه (إليكَ) في الغُربة. ظلامٌ ظلام.. لم يعدْ بوسعنا تحمّل أبطاله!

أخبار ذات صلة