بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

5 تشرين الثاني 2021 12:00ص عدوى الانتحار!

حجم الخط
أكثر الأشياء صدمةً أن تسمع عن شخص تعرفه أنه انتحر فجأة. أنهىَ حياته بإرادة قلقة من دون أن تقف منه على حقيقة دوافعه أو على عمق اضطراب أحواله قبل أن تستقر نفسه الهائمة على قرار خروجها من العالم. لو أنّ كل منتحرٍ أدرك أنّ حياته ليست ملكًا له لما عبث بها أو تجرّأ على إعدامها. فنحن البشر مهما بدَت إرادتنا حرّةً في أعيننا القاصرة، ومهما ثملنا من كأس الوهم أنّا على ما نشاءُ قادرون، تُكذّبنا الحياة في كل لحظة، وتغرّنا أبدًا حين تُشعرنا في أكثر المواقف رباطةً للجأش أنّها طوْع يدينا كثمرة تتدلى بين تردّدنا وإقدامنا على الفعل. قد ينتحر إنسانٌ واحد بما ضاقت عليه الحياة في غرفة، وقد ينتحر شعبٌ بأكمله بما ضاق عليه الوطن في سجن أفكاره. ولكن ما هو أخطر من الانتحار نفسه، عدوى الانتحار! عندما لا يسأل أحدٌ عن الذين يغادروننا ويتركون لنا أعمارهم شهادةً حيّة على عجزنا. عندما يصبح الانتحار مسألةً ذوقية، وتجربةً أكثر تسامحًا من الحياة. وأيّ حياة؟ تلك التي نُغلق فيها كل أبواب العدل والرحمة ونفتح في مقابلها كل أبواب العذاب والجحيم. نقول للمتردّد أمام هول انتحاره: لا تتردّد! اقتل نفسك بيدٍ ترتعش فوق خيط الضوء المتلاشي قبل أن تمتد إليها يدٌ مستحكمة وأكثر قسوة. ماذا يعني أن يموت فينا بائس أو يائس أو محتاج؟ ماذا يعني أن يسود الاحباطُ مجتمعنا فيصير جدرانًا لمدينتنا وسقفًا لمنزلنا وعملةً نشتري بها موتنا قبل أوانه؟ هل من يسأل بيننا؟ هل من يهمّه أمر إنسان فينا؟ هل من يصرخ بنا: كفى انتحارًا؟ مات الذي كنت أعرفه ضاحكًا ملء الزمان. لم أرَ قط حزنًا على جبينه. ربما كان عليّ الاقتراب أكثر. لكنْ، تغدرُ الأيام بالأماني والنوايا. يمرّ الذين نعرفهم مُسرعين في غمْرة جهلنا بهم. نودّعهم على ناصية الذكرى. دوائر وجوههم الجميلة تدوّخنا أسىً فنسقط عن صهوة طمأنينتنا مثل دمعة متحجّرة. لا ندري ماذا غدٌ فاعل بنا؟ نتوق إلى كلمة معهم قبل أن تضع النقطة ثقلها الهائل على سطرهم الأخير. لكنّ الحياة تبتلع جميع الأموات وتمضي ممتلئة!

أخبار ذات صلة