بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

3 كانون الثاني 2020 12:00ص على من ننادي؟

حجم الخط
أدلى العرّافون، في ليلة مشهودة، بأخبارهم وتوقّعاتهم للعام الجديد. وفي الآخر، حملَ كل واحد منهم «عصاه السحرية» ورحل. غلب على ظنّهم السوء بالبلد وأحواله. لم نسمع في جلّ أحاديثهم عن أشياء لها طعم الخير أو الفرح أو الفلاح. 

رسمت مخيلتهم مشاهد شتى هي أقرب إلى الكارثة المحتّمة. فالحديث اليوم عن الخراب أو الانهيار أو عما شابه ذلك، له وقعه الثقيل في النفوس الملونة بالحزن والقلق والريبة من كل ما هو آت. وفي ظل سكوت أولياء الأمور عما آلت إليه الأوضاع الحالية، يصبح صوت العرّافين هو الأعلى والأكثر سماعاً بين الناس. بل إن كل فرد قد صار عرّافاً لنفسه وربما للمحيطين من حوله. 

ففي غياب الحقائق حول ما يجري، وكيف يجري، تنتشر الأكاذيب بقوة، فيتجمّل بعضها بالصدق متخذاً أشكالا غريبة من المعرفة الحدْسية المبالغ فيها. ليس عجيبا أننا جميعا نشعر الآن بأخطار داهمة، وبأننا جميعا في مركب واحد، بات عاجزاً عن مصارعة الأمواج التي تضرب به، والرياح العاتية التي تتقاذفه على غير هدي. شاطئ الأمان صار أبعد بكثير من أنظارنا القاصرة، وما تقدرُ عقولنا على اجتراحه في وسط هذا الانحباس الكبير بين الماء والغرق، أضعف من أن يبلور لنا موجةً ناصعة تقودنا للخروج من تلك الظلمات المتراكبة. قد وصلت الأمور حدّ الطوفان، وبات لزاماً على سفينة النجاة أن تحمل المخلصين فقط. 

كلام يلهج به الجميع. لكن أين هم المخلصون، يسأل الناس؟ على من ننادي منهم؟ أي المهّمات الخلاصية سيكونون مؤتمنين عليها في هذا الوقت العصيب؟ يرمي العرّاف أكاذيبه ويمشي. نحن الذين نخيط لها أثواب الحقيقة بما تبقى من عرق الصمود على جباهنا الخافتة. نفتقد الضوء، والأشياء الصلبة حقاً في حياتنا، ونفتقد أشخاصاً ليسوا بعرّافين. أشخاص يقولون لنا: هاكم مستقبلكم أمامكم، رهن إرادتكم، مدوا أيدي الأمل، لتظفروا به خالصاً لكم.   

أخبار ذات صلة