بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

19 نيسان 2019 12:42ص فراشات وغربان!

حجم الخط
ملايين الفراشات المهاجرة تلوّن ربيع لبنان بأجنحتها المختلفة: الأبيض، الأسود، والخمري. أسرابٌ كبيرة جاءت تُمشّط الحقول والمروج والغابات، بعد أن غسل الشتاءُ شعرها الطويل بغزارة، قبل أن يتحوّل إلى خُصلٍ من الأزهار والورود المنفرجة أساريرها؛ المتمدّدة كسرير العروسين الساحر، والمتفتّحة كالقبلات الطريّة على وجنتيْ المدى. 
تضيع العينُ في مشهدٍ خلّاب، كأنّها معلّقةٌ بأهداب الضوء، وهو يسافرُ كالبحّار العتيق بين أمواج الكواكب والنجوم. كلّ شيء من حولك يغرقُ في ابتسامات عريضة، تلفُّ الأفقَ برفق، وتكوّره على أجنحة «السيّدات الملوّنات»، وهنّ يتراقصن كالحسناوات الشقيّات فوق ثغر الأيّام. تغمِدُ هواجسُك خناجرَها البرّاقة أمام مهابة ما ترى من جمال أخّاذ، وتفيضُ نفسك عن جراحاتها، وقد تقمّصت روح المكان، وتبعثرت كالروائح العطرة في الأرجاء، وهي تضحك بقلب مفتوح للأبدية، وفي كلّ ضحكةٍ نافذةٌ تلوّح للصدى من خلف استراحة الوادي؛ فيأتيها محمّلاً بسلال الأغنيات. 
ملايين الفراشات البهيّة تفرشُ الأملَ أجنحةً تتكدّس فوق بعضها وتتداخل، كالألوان الزاهية؛ لترسم لوحةً فائقة الخيال، تخجلُ الشمس وهي تغادر أرضها البيضاء؛ فيواسيها الليّل بأريج الأحلام، وقد أضاء القمر شمعتها الفضيّة. شيءٌ فيك لا يريد أن يصحو من طمأنينة اللقاء المثمر بين الفراشة والزهرة، من روعة العناق الموجز في عبارة الحبّ الحقيقي للطبيعة، ومن تمايل الأخضر السمح في عينيك، وقرب الأزرق الحكيم من يديك. 
لكنّ صياحاً يُعكّر على الجهة المقابلة صفوَ تأملّك وانغماسك في هذا الكلّ الدافئ والحنون. نعيقُ غربان سوداء آتية من أقفاص الواقع المرير، وقد عقدت الطبقة السياسية عليها الآمال الشريرة، لسجْن اللبنانيين فيها، هُمْ وأبناؤهم، كي يبقوا جميعاً في ظلماتٍ عمّا يفعلون، وعمّا كسبت أيديهم من فسادٍ عظيم. 
فراشات هنا... وغربان هناك. أيُّ الهجرة نختار إذن؟!  

أخبار ذات صلة