بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

13 أيار 2022 12:05ص فلسطين بملايين الأرواح

حجم الخط
شيرين أبو عاقلة شهيدة فلسطين. شهيدة الخبر صارت هي الخبر. شهيدة الصورة أضحت هي الصورة. بدم بارد اغتيلت. نعم. برصاصة جبانة في الرأس: متى لم يكن رأسنا هو المطلوب؟ شيرين تستريح الآن. بلون الدم قالت كلمتها الأخيرة. لكنّ الدم لا يصمت أبدًا. روحٌ جديدة تزيّن تاج هذه الأرض المُرصّع بالشهادة. لكنّ فلسطين جسد بملايين الأرواح. عدّاد الموت قد تعبَ ولم يتعبْ الفلسطينيّ من الموت. اقتلونا نزداد حياة. عذبونا نزداد إيمانًا. أضرموا النار في مآقينا نزداد بصيرة في قلوبنا. رصاصكم أطول ربما من حياتنا لكنّه حتمًا أقصر من موتنا. 
غادرت شيرين الإطار الصغير. كانت تحكي فيه عن فلسطين. وسط الحريق والدخان ومن خلفها أطفال قُدّت قلوبهم من حجر، لطالما وقفتْ فتاةُ بيت لحم مع الحقّ. لم يزحزحها خوف أو يُثنيها إرهاب عن إتمام رسالتها. غدًا ستحكي فلسطين عن شيرين وعن محمّد الدرّة وعن آلاف الأبطال الذين يضيئون بدمائهم ليلنا العربيّ الطويل. 
أفتّش فيّ عن حزنٍ لم تتفتّح وردتُه بعد، فلا أجد. أنا العربيّ المقهور نأى عنّي حزني. شيء من الكرامة كلُّ ما بقي عندي. فرحي مُؤجّل وحزني مُعجّل. ودمي يخفق بأجنحة كثيرة. أنا العربيّ المسلوب نأى عنّي زمني. دمي على الطريق. دمي طريق. لكنّ إخوتي يقعدون عن دمي. يبنون السّدود على مجراه نحو قدسي. يرمونني في البئر ويتباكون عليّ بدمع بارد.  
يقتلني مُحتلّي، يُفجّر رأسي إذا ما أطلّ أو فكّر عاليًا. يغتالني عدوّي بدمٍ جامد. فحرارة التنديد وبخار الأسف لا ينقذان طفلًا من براثن مُجرم سفّاح ولا زيتونةً من دنس مستوطن مُحتلّ. وحدي أنا في المَعْمَعَة. في وجهي صوتٌ مدوّ وفي ظهري صمتٌ مريب. على خيط من اللامبالاة تمرّ جنازتي كل يوم، مثل صلاة عنها العربُ ساهون. شهادتي عيدٌ لا يحتفلون به، وعرسٌ لا يحضرون فيه. موتي بطاقة عبور مجانية لحياةٍ أخرى لا يريدونها. يتراجعون أبدًا مثل ثرثرة في الليل، ومثل وعْدٍ لم يوفَّ، ومثل سيفٍ أخافه العَجاجُ. 
تخطف شيرين أبو عاقلة الصّورة. تكسر الإطار الضيّق لها، وتترك للدم الفلسطيني الطّاهر المساحة كلّها.


أخبار ذات صلة