في الصيدلية.. تُحدثني امرأة مسنّة تقف بجانبي. تشكي إليّ غلاء الدواء وانقطاعه.. وتقول: سأستبدله بآخر أرخص منه. وأنا مثلها أسترخص من شدّة الغلاء الأشياء كلها!
يتقدّم عمرها المترنح أمامي فأحسّ به عند الباب وقد التصق بعمري. أخرج على عكّاز أفكاري الخشبية وأخاف أن أسقط في حفرة مبهمة بين الكلمات. مثل عقربين متجاورين للوقت الضائع نمشي كل الى منزله، وبيننا الخطى شرارات تقدح الكلام السريع.
أين أولادك يا أمي؟ حملت بهم الريح يا ولدي.
وهل من يعيلك هنا؟ وهل يقطع الله برزق أحد يا ولدي؟
ماذا أنت فاعلة إذا وسط جنون العاصفة؟
أرتب أشرعة موتي على مهل يا ولدي.
مشهد حبس أنفاسه في صدري حتى كدت أختنق منه تماماً. كأن المأساة التي أراها مشخصةً من حولي أينما حللت في أرجاء وطني قد أصبحت طبقة من طبقات جلدي. مهما مسحتها من ذاكرتي فهي كالوشم باقية فيه. ليس المهم من هو الفاعل في هذه الجملة الحزينة. سيظل تقديره «هو» ما دامت الضمائر على حالها من الستر.
على المفعول بهم أن يحرّكوا ساكناً. على الفتح أن يتغلّب على الضم والاضافة. بغير ذلك لا خروج لأحد من الجحيم.
قد أُرهقت اللغة بأسمائنا الكبرى والصغرى. وصُدّ السبيل عن الأفعال الحقيقية التي ترفع الظلم عن الشعب وتعيد لهم حقوقهم المهدورة.
ضاع الخير من كل شيء. وغابت البركة بين الناس؛ عن وجوههم وأيديهم، وعن طعامهم وشرابهم ولباسهم. وصار الشر كالهواء الذي يستنشقه الجميع، الذين آثروا حتى الآن البقاء مقهورين في أرضهم وبين أبنائهم أو أجبروا عليه. أما أولئك الذين اختاروا الرحيل كي لا يقعوا فريسة للحكاية السوداء نفسها فقد ولوا وجوهم شطر الحنين فيهم وحملوا قلوبهم في حقائب صغيرة لعلّها تقدر على حمايتها من السقوط والدهس!