الحياة والموت. بين هذين تقيم كل الأشياء. والبشرية منها طبعاً. الحياة في أدنى معانيها هي أن تكون حياً. تصحو وتنام وتتحرك كما تريد. والموت في أدنى معانيه هو أن تموت. أن تصبح جثة هامدة يجرحها الهواء الرطب. يبدو الواحد في قبالة الآخر . كأن الموت يقف عند أقدام الحياة وهي تُنزل آخر خطواتها على الأرض. لكن الحقيقة غير ذلك. فالموت هو أيضاً عند رأس الحياة لحظة أن يخرق ستار العدم. ما الفرق بين أن أقول أنني حيّ عددَ سنين أو أنني ميّت سنين العدد نفسه؟ إنها مسألة تعوّد لغوي وتعبيري فقط. في لبنان مثلاً تصبح الأمور أسهل وأكثر وضوحاً. فهل اللبناني يحيا أم يموت؟ هي مسألة سياسية كذلك. فلا بدّ من أطر تعريفيّة أولاً. ماذا يعني أن تكون حيّاً؟ وماذا يعني أن تكون ميّتاً؟ في الواقع هناك إجابات عديدة. يمكن للدولة اللبنانية أن تعطيك إجابة ولو على طريقة "أبو ملحم" والقنال ٧ التي تشبه ويا للعجب شارة النصر! كما يمكن للأحزاب التي تناصرها أو التي تعاديها أن تكون لديها إجابات هي أيضاً بألوان ومذاقات كثيرة، قد ترضيك أو تسخطك. لا بأس عليك. فهاتان الكلمتان تحتاجان بدورهما إلى تحديد مسبّق من جهة أعلى. اذ ليس سهلاً أن نعرف من التجربة الفعلية متى يكون اللبناني غاضباً أو متى يمكن له فجأة أن ينفجر غاضباً. هو حتى الآن ينفجر بل لا يكفّ عن الانفجارات لكن الغضب مسألة أخرى. هي ربما (لست أدري!) ضرب من الانضباط الجيني الخاص بهذا الشعب المنشعب تشعيباً شعبويّاً شعوبياً (جميلة العربية في تشقيقاتها أليس كذلك؟) أو لعلها على رأي ما كان يقول الشيوعيون من قبل وفرةً في انتاج الغضب وسوءاً في توزيعه. اللبنانيون غاضبون حقاً. الوجوه تفضح ذلك والألسن تصادق عليه. وهم يدركون تماماً ممن يغضبون. فما المشكلة إذاً؟ ترتيب أولويات الغضب هو العقبة. ممن علينا أن نغضب أولاً؟ أمن القريب قبل البعيد؟ أم من القوي قبل الضعيف؟ أم من الفاعل قبل المفعول به؟ عندما يبلغ الغضب هذا المدى "الوطني" فإنه يتعثر. فنحن غاضبون من كل شيء ولا شيء. هناك مَن الحياةُ أمامهم. وهناك مَن الحياة على خصورهم. وهناك من الحياة قد اصبحت في ظهورهم!