بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

29 آذار 2019 12:43ص كلماتٌ عند الرحيل..

حجم الخط
ثمّة كلماتٌ تُقال عند الحياة؛ وكلماتٌ تُقال عند الموت. كثيرةٌ هي الكلمات الأولى، وقليلةٌ هي الثانية. قد تُسمّى رثاءً أو وداعاً أو تكريماً، لأشخاص نُحبّهم ونُقدّرهم ونشعرُ بالحزن على فِراقهم. تلمعُ كلماتُنا في حُلكة الموت، كآخر ومضة، قبل هبوب الذكرى الطويلة التي تشقّ داخل أرواحنا طريقاً ملكيّاً، نحو وجوه لا تُنسى ملامحها الإنسانية أبداً. 
فكم من وجهٍ أخضرَ لا يزال يسكنُ تحت وجوهنا الظاهرة؟ وجوهٌ نستعيدُ بعضُها في أوقات الشدّة؛ حينما يتوتّر احساسنا إلى أقصى درجات الفقْد والاشتياق، ونغفلُ عن بعضها الآخر مؤقّتاً ربّما، قبل أن تردَّنا أطيافُ الموت ثانيةً إلى جداول الذكريات الجارية في أعماقنا كالزمن، أو إلى عيون الحبّ الدفينة التي لطالما أبصرنا بها أنفسنا بجلاء.
لا يستطيع الكلامُ مهما بلغ من رقّة القلب وصدق المشاعر أن يلحقَ بالموت. تظلّ هناك مسافةٌ عصيّة على طيّة كلّ تعبير. تُصبح الكلمات مجرد علامات للوقف؛ تستريح بينها النفس الحزينة، وهي تلملم شتات حياتها المشتركة مع الراحلين عنها إلى آخر العمر. تتكئ على ما تيسّر من الكلام كما تتكئ أحلامنا على الليل قبل أن يُزيحه النّهار. 
فأمام الموت لا حيلة لنا سوى لسان يلهج بالألم العميق، أو يد تخطّ سطور حزنها، وتواسي  بالصور الجياشة خواطر المفجوعين على أحبّتهم. 
ومع ذلك، ثمّة فرصة أمام الموت للعودة إلى مرايانا الحقيقية، والنظر ثانيةً إلى صورنا التي شوّهتها ظلال الحياة الباهتة. ففي موت واحدنا حياةٌ جديدة لنا، غالباً ما يفوتنا رونقها الخفيّ، وبدل أن نمسك طرف حياة طرّزتها يد الموت الأليمة وقد امتدّت إلى أكبادنا، تُرانا نذرف دمعةً في عراء هذه الدنيا الخادعة!   


أخبار ذات صلة