ليس من باب التسلية غير المفيدة أن نحكي ما سوف نحكيه للناس. فلربما تداعي الأفكار في هذه الآونة مطلب نفساني بالدرجة الأولى. فعلى الثورة قبل أن تصير واقعاً، أن تخامر النفوس كشيء يروّحُ عنها بل يثير فيها السخرية أيضاً. اذ كل ثورة هي بنت المستحيل الذي لا يجدي معه نفعاً سوى استحضاره بواسطة النكت واللامبالاة.
وبعض الضحك طريقة ناجعة لطرد أرواح المأساة. وعليه، أقيم قولي هذا على بيّنة من لطافة لبنانية أكيدة: تحوّل السياسيين في الطبقة الأولى إلى وحدات قياسية على غرار الوحدات الفيزيائية المعروفة. وكنت قد تنبّهت في «صفاء مقارن» الى أن هذا الأخيرة تحمل أسماء العلماء الذين توصلوا إليها في أبحاثهم.
فالوحدة المستعملة في قياس القوة مثلاً هي النيوتن N نسبة الى العالم البريطاني الشهير السير اسحق نيوتن. وكذلك شأن وحدات قياس الطاقة أو الحرارة مثل جول J أو وات W وكالفن K. ماذا لو طبقنا هذا العُرف العلمي على السياسة عندنا؟ سنقول مثلاً أن وحدة قياس الطائفة السنية هي الحريري، ووحدة قياس الطائفة الشيعية هي بري+، ووحدة قياس الطائفة المارونية هي عون. هذا جائز بل طبيعي جداً على قاعدة «المرشّحين الطبيعيين» المُستجدّة. فليكن ذلك.
بيد أن السؤال خلف الباب: كم تساوي قوة كل طائفة اليوم مُقاسة طبعاً بالوحدة الخاصة بها؟ لتحريك عربة نحن بحاجة مثلاً الى عشرة نيوتن. أي نيوتن واحد مضروباً بعشرة أضعاف من مثله. فهل نكون كذلك بحاجة الى عشرة حريري أو بري+ أو عون لتحريك كل طائفة على حدة؟ ترى كم نحتاج لتحريك وطن ولو «فشخةً» واحدةً إلى الأمام؟ هل توجد لدينا وحدة قياس جامعة يُمكننا أن نستعملها لمعرفة قوة هذا الوطن؟ ربما سيقول قائل: نحتاج الى جمع هذه الوحدات كلها.
لكن للأسف ليس للوحدات المختلفة في الفيزياء من مجموع متجانس. وسيقول آخر: أننا بحاجة الى ألفٍ من هذا وذاك. لكن للاسف فكرة الزعيم الواحد المُطلق الفريد تمنع هذا الحلّ. وقد يشذّ آخر فيذكّرنا بوحدات قياس من قبيل عدد الأحصنة للمحرّكات الميكانيكية. فكم حصاناً يحتاج لبنان ليُعاود الانطلاق مجدداً؟ إلا أن آخر يلفت نظرنا إلى أن ألوان الأحصنة أهم بكثير من عددها. بينما لا يتوانى آخر أيضاً عن التهكّم: هل تجرّ عربة الوطن الأحصنة أم.....؟!