بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

20 آذار 2020 12:00ص كورونيات!

حجم الخط
أفكّر في السرعة التي بها ينتشر فيروس كورونا وأقارنها بسرعة انتشار الخبر - الإشاعة على مواقع التواصل الاجتماعي (الواتس أب خصوصا). في الواقع، يبدو الوباء القاتل وكأنه يخسر الرهان رغم كل جموحه! لا شك بأن البشرية اليوم ترزح تحت رحمة هذا الجموح القاتل، وهي تحاول أن تستجمع قواها على الصمود ضد عدو غير مرئي. 

إلا أن هذه الحرب العالمية الأولى التي تُشنّ على الإنسانية هذه المرة، من جهة خارجية ما تزال مجهولة، تأتي في وقت قد بلغت فيه هذه الأخيرة أعلى درجات الثرثرة في تاريخها الطويل. أقول الثرثرة وأقصد بها لا الكلام الفارغ الذي لا جدوى منه، بل الفائض الأقصى من استخدام الكلام نفسه، بفضل التكنولوجيا التي تواجه اليوم أولى تحدياتها الكبرى. لا أدري ماذا يمكن لهذا المشهد غير المسبوق أن يعني للمستقبل؟ ملايين الناس ماتوا في القرون السالفة بأوبئة شتّى مثل الطاعون والكوليرا. 

أتخيلهم وقد فارقوا الحياة مُمسكين بحبل الصمت الغليظ. لكأن الهواء كان يحصدُ حناجرهم ويعلّقها في السماء بعيداً عن آذان الأرض. وحتى عندما كانوا يختبئون في بيوتهم اتقاء للعدوى، كانت أحاديثهم تقبع في زاوية صغيرة إلى جانبهم. لكن اليوم الصورة اختلفت تماماً. وحده الخوف يحافظ على رباطة جأشه إزاء التاريخ. 

الناس ينشرون أحاديثهم أينما كانوا وكيفما كانوا، أحيانا على النحو الذي تنفض به ربة المنزل الغبار  فوق الأشياء الثمينة. الصراخ العالي، المواعظ الساخنة، الأفهام المتوثّبة بين ليلة وضحاها، التعليقات الذكية والغبية، وحتى النكات الحاضرة أبداً والضحكات المستخرجة كالبترول الصخري، من دون أن ننسى طبعاً الإرشادات المناسبة وغير المناسبة من كل حدب وصوب؛ وفي كل آن، كل ذلك يرسم مشهداً آخر لإنسانية باتت قادرة بما لها من ظلال الكترونية طويلة وهائمة، على التواصل في ما بينها وتكديس أصواتها كالزبد على شاطئ الأحداث الجليلة حيث ستتدافع أمواجها بلا توقف. 

ثمة قدرة فائقة سوف تتعاظم أكثر فأكثر، على تناقل النبأ والتساؤل عنه كأنما يجري على قلب إنسان واحد. الإنسان الثرثار هو النسخة الأخيرة ربما التي ستخلف الإنسان العاقل. وفي هذا نبوءة معروفة وبداية لزمن الكورونيات.


أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!