لا أريد التحامل على شعبي. فأنا منه قام أم قعد، أصابته نقمة أم أصابته نعمة. لكنّ سكوته عمّا يلحق به من أذى كبير يهدم انسانيّته وكرامته لهو شيء مريب! قيل أن اللبنانيين ليسوا على قلب واحد؛ ومن ثمّ ليسوا شعباً واحداً. وقيل أنّ الانقسام أساس كيانهم الصغير ومن ثمّ فلا أمل في اجتماع لبناني سلس ومستقر. أذكر أنّ أحدهم كتب مرة عن "لعنة وطن". فهل نحن حقاً مصابون باللعنات؟! لعنة التاريخ، ولعنة الجغرافيا، ولعنة الطائفية، ولعنة الحروب، ولعنة الاحتلالات، ولعنة النظام والدستور، ولعنة الميليشيات والأحزاب، ولعنة الليبرالية والاقتصاد الحرّ، ولعنة الارتهانات للخارج، ولعنة الليرة والدولار…لعنة تلحق بأختها من غير توقّف؟ هل هذا هو حالنا حتّى أصبحنا اليوم وطناً بلا رحمات؟ من أنا لأجيبكم عن كل هذا؟ ومع ذلك فليس من باب التنطع أن أقول شيئاً في شيء ممّا يجري أمره علينا ومرُّه فينا. كيف يعيش اللبنانيون في الجحيم؟ كيف قدروا على النّار التي تُمسك بكل شيءٍ فتحيله رماداً؟ لست أتكلم عن الصينيين بل عن بضعة ملايين من اللبنانيين. لماذا هذا الاحساس العام ألا أحد يموت من الفقر أو الجوع؟ وأنّ حرارة الفصول كلها لم تفسد أمزجة المقيمين والمغتربين؟ باختصار: بأي أموال يعيش اللبنانيون اليوم إذا كانت أموالهم قد نُهبت كما يردّدون؟ ولا أستثني من سؤالي موظفي الدولة من صغيرهم إلى كبيرهم. لا أملك جواباً جاهزاً. أصوّب عقلي فقط في اتجاهات عدّة. فليشاركني قارئي هذه اللائحة: أموال الأحزاب المموّلة من الخارج ومن السفارات وتلك التي سطت على مقدّرات الدولة. الأموال التي تم سحبها من المصارف قبل وقبيل الانهيار. الأموال التي توزعها منظمات الـNGO والأمم المتحدة في لبنان. أموال عمليات التبييض. أموال المغتربين والسياحة. أموال الطبقة المثقفة التي تعتاش على الاستكتاب في دوريات خليجية بالدولار. أموال "الأونلاين" من شركات خارجية ومواقع تواصل اجتماعي. أموال أصحاب الوكالات التجارية وأصحاب الاحتكارات الكبرى خصوصاً في تجارة الغذاء والدواء والطاقة. أموال المضاربة بالدولار على الليرة. الأموال التي سُرقت ولا تزال تُسرق من خزينة الدولة ومؤسساتها. أموال تجارة المخدرات والحشيش. أموال التهريب بكل أنواعه عبر الحدود المستباحة وأحب أن أسمّي ذلك: كوريدور الدولار. هل بقي أحد من الشعب لم يدخل في هذه المسارات؟ نعم،إلا من رحم ربّي.