بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

15 تموز 2022 12:00ص لا أريد الكلام على شيء!

حجم الخط
لا أريدُ أن أتكلّمَ على شيء! كم تبدو بسيطةً هذه الجملة ومُسالمة. ومع ذلك، فهي تقول كلّ شيء تقريبًا. كيف لا، وفيها الإرادةُ أولًا، والكلامُ ثانيًا، وفيها الشيءُ أي الموجود بعامّة؟ لعلّي أخطأتُ التعبير أو أسأتُ الأدب؟ ولعلّي وقفتُ، درَيتُ ذلك أم لم أدرِ، على أمرٍ آخر في نفسي. أهو الصّمتُ يتملّكني بعد أن يعدَني غرورًا؟ أم هي قلّةُ الكلام تحرسني من فتنة الكلام؟
 كلَّمَ بالتشديد، وكلَمَ بالتخفيف، هل ترى إلى ما فيهما من شركة وقرابة؟ الأولى تعني خاطب فلانًا أو توجّه إليه بالكلام، بينما تعني الثانية جرَحَ أي أصاب شخصًا بجرح قد يكون ماديًا باليد أو معنويًا باللسان. لكنّ الصّمت في بعض الأحيان يجرحُ أيضًا. عندما يُريد منّا أحدٌ كلامًا لا نُسمعْه إيّاه أو نُهديه إليه. قد يأخذه منّا بالقوّة أو ينتزعه عند حاجةٍ تمسُّنا. وقد لا يأخذه منّا أبدًا. لكن في هذه الـ"أبدًا" ثمّة قصةٌ تُروى. وإن حدّثنا بأنفسِنا أنفسَنا فهل يبقى للصّمت فينا من مكان؟ 
كالدّم يسيلُ الكلام أحيانًا. كجرحٍ في الجلد أم تحته. كسهمٍ يخرج أم يدخل، وكوردة في الحديقة أم في النّار. لا مفرّ من الكلام. فصمتك مثل عدمه كلام. وكلامك مثل صمتك عدم. فكيف لي أن أصمت إذًا، فلا أُشبهُني متكلّمًا؟ وكيف لي أن أتكلّم فلا أُشبهني صامتًا؟ كيف أكون حينما لا أكون؟ وكيف لا أكون حينما أكون؟ من قال أنّ الحقَّ في أن أكون أو لا أكون؟ هل كان يعرفُ أنّه لا يعرف؟ 
أيّها الكلامُ لا تتركني أتجرّأ عليك؛ فأخسرك حين أنطق بك. وأنت أيّها الصّمت لا تتركني أغترُّ بك؛ فتخسرني حين تربحني. لا أريدُ.. عبارة رائقة بدأت بها كلامي. لكن في هذه اللا الغائرة إرادةٌ أشدّ تعصفُ بي.
أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود