مع أن ما يحدثُ هو مأساة بحق كسبتها أيدي اللبنانيين بما صنعوا وبدّعوا، وهانوا وخانوا، وفرّطوا وكرّسوا، وهدّوا وشقّوا، وباعوا وشروا... فلا تجعل للمأساة محلاً في قلبك! نعم، اترك هذا المكان نظيفاً من كل همّ وغمّ، ومن كل درن يصيبه أو فتنة تتلطى خلفه.
ومهما بدا لك قاتماً مستقبلك من الخارج، فاعلم أنه إنّما في قلبك وحده يكون. فلا تقحم عليه ما ليس منه في شيء، ولا تعكّر صفو سمائه بعواصف تستجلبها من غير مكان. زمنك الحقيقي إنّما تدور عقاربه في محيط قلبك الصغير. فاجعله ما استطعت أبدياً؛ بأن تعزله عن مرارات الأيام وخيباتها وعن تحوّلاتها وغرائب أحداثها. فالغربة لا طعم لها إن لم تنزل صحن قلبك. فإيّاك أن تتذوّقها هناك.
عِشْ بأمان القلب، ودعْ عنك خوف الدهر ومصاريفه. واعلم أنً للقلب هجرة واحدة لا ثاني لها. إن أتبعتها بحقّها فلا تقلق من هجرات الجسد ومآلات المصير. فالتراب هو التراب أينما ولىّ وجهه، جهة البحر أو الصحراء؛ جهة الملأ أو الفراغ. فالحروب جهات وجبهات كثيرة، لا تتوقّف رحاها، مثل خيوط الدم؛ تتشابك لتتقطّع، وتتقطّع لتتشابك من جديد.
أما السلام الآصل فله فيك جبهة واحدة وسيف برّاق واحد، لا تُسقطه من يدك مهما اشتدت من حولك المحن أو ضيّقت عليك الحياة مسالكها. كن سماويّاً في قلبك واختر لطريقك نجمةً لا تضل بعدها في مقاطع الليل سطورُه. أما جسدك فاجعله مطيةً لكل ما يأتيك من الخارج. سرْ به قبل أن يسير بك؛ وانزل به قبل أن ينزل بك. ولا تجعله آخر همّك أو مبلغ علمك. لكن احفظ أسراره فإن فيه فضائح كثيرة.
كن قوياً بأن تعلم بأّنك ضعيف. ولا تكن ضعيفاً بأن تعلم بأنّك قوي. كن قوياً بأن تضع قلبك بين يديك حين تعطي وتأخذ، وبين قدميك حين تمشي أو تتوقف، وتحت لسانك حين تتكلم أو تصمت. كن قوياً بأن تقول لقلبك: خذني إليك. اكرهني ما شئت حتى أحبك ما استطعت!
تنبيه: ليس في الكلام عن القوة والضعف أي صلة باستراتيجيات الحرب والسياسة… المسألة أعمق من ذلك بكثير….