بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

27 آب 2021 12:00ص لا تفشِ سرَّ الدم فيك!

حجم الخط
ما الذي يُخبرُ عنه الإنسانُ، نفسَه أو غيرَه، إذا البُعْدُ كان شكواه وبلواه؟ أيّ حكايةٍ يصير إليها حالُه ومآلُه وسط كلماتٍ تتدافعُ إلى خاطره ومعانٍ تتناجزُ في وجدانه؟ هل أصعب من البيْن غير ما كان في القلب من بيْنٍ، قد صارت لوعتُه من بعده أكثر بيْناً؟ كأنّ باب الكبرياء حين توْصد دونه الحوادث، يفتح الفقْدُ فيه على مصاريعه أبواباً. والفقْدُ دفقٌ يأبى في الأشياء إلا استصحاب أوْجدها. كأنّي بنصْلِ الحبر حين أكتب به، أقطّعُ فوق الدّموعِ الدّموعَ. ولا يدري البعيْدُ عن البعيدِ رسْماً دارساً تهيجُ في العشيّ تربتُه. أيّها البُعْدُ المعذّب فيّ كفاك منّي تقرّباً، فإنّي سئمت الحدود بين أصابعي والجرْح. تعزفُ الصحراءُ في عيوني وتَرَها القاصي وتدنو من ضاحية القلب أفياءُ الماضي. بلا صوتٍ أُرجعُ الصّدى صلاةً جميلةً فوق بئر يوسف. حبلُ مخيّلتي ضئيلٌ مثل عصفور يُغنّي المساءَ رحيلاً. مرَّ الصباحُ باكراً على قطيعٍ من ذكرياتٍ عطشى تشربُ عرق أحلامي. أجنحةُ الحزن الفضّية إلى غير مكانٍ تطيرُ بي. ترفعني إلى مأوى الذات العليّ. تُعلّمني أنّ الجمال أبعدُ ما في الأشياء قرْباً وأقربُ ما فيها بُعْداً. أفوتُ على ألوان من عزلةٍ تشعُّ خمراً وخبزاً. وعلى أرواحٍ كأنّها بخارٌ فوق زجاجٍ شفيف من الحضور الذي لا يحضُر أرمي سلامي الطويل. هدأتْ الحربُ في جبهة روحي. عيوني بندقيةٌ في غابةٍ من الأبجديّة الكثيفة، تملأ فوّهتها النحيلة رائحةُ الصنوبر. وللصنوبر عشيرةٌ في دمنا خضراء. تخطفُ وجهي موجةٌ من ملحٍ وتراب. أتنفّس زُرْقة الختام على لوحيْن بارديْن تحتي وحرفيْن لاهبيْن فوقي، وأصرخُ بملء سبيلي كي أنجو منّي. أيّها الشاطئ الأبْعدُ خُذني إليك صَدَفَةً من نهارٍ قصير، وفي عنق أميرةٍ من حكايا الجان علّقني سراباً دائماً لابتسامتك. كم مرّ عليّ كي أمرَّ منّي إليّ؟ أنا الوقتُ إذا ما تثاءب. أنا الجُرْحُ إذا ما قال لي: اصمدْ سأحملك إلى البعيد، فلا تفشِ سرَّ الدم فيك!  


أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!