بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

16 حزيران 2022 12:00ص للحديث تتمّة..

حجم الخط
قالت العربُ قديماً: خيرُ الكلام ما قلّ ودل. وقالت أيضاً: اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. ولا تخلو برأيي، ثقافةٌ في الأرض من مديح للصمت وذمّ لكثرة الكلام أو الثرثرة. وكان العربيُّ سواء في حاضرته أم في باديته ميّالاً لقَصْر الكلام وتقليله. فتراهُ يبادر رسولاً جاءه بعد مشقّة وعناء في الطريق إليه بالقول: أوجزْ يا هذا. لكأنّ زمنه الفسيح يضيقُ عليه كلما تحدّث إليه أحدٌ أو نطق عنده لسان. فلماذا التطويل، ولماذا المقدّمات ما دام لكل طالب مأمنٌ يبلغُه عند العربي إن هو استاجره أو دخل بيته؟
وكان الخليفة الأول الصدّيق أبو بكر قد قطع دابر الفتنة في الجزيرة، وحمى الإسلام أن تدور عليه الدوائر، بعد وفاة النبي محمد (ص) بعبارة موجزة وبليغة كان فيها فيصل التفرقة بين المؤمنين والمنافقين: أيّها الناس، من كان يعبدُ محمداً؛ فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌ لا يموت. 
وبعد فتح المسلمين لمصر كتب الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب جملاً ثلاثاً إلى عمرو بن العاص: «أمَّا بعد يا عمرو. إذا أتاك كتابي فابعث إليَّ جوابه، تصف لي مصر ونيلها وأوضاعها، وما هي عليه حتَّى كأنني حاضرها». 
أما عندما وصل الخليفة عمر خبرٌ عن واليه هناك يستدعي منه المحاسبة دونما إبطاء؛ فإذا به يستعجله بجملة واحدة فقط: سلام. إذا وصلك خطابي فاحضر أنت وابنك إليّ!
وها هو الخليفة الرابع إمام المتّقين وباب العلم، عليّ بن أبي طالب يعظ عاملاً له على الأمصار بالقول: ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كُلاًّ منهم ما ألزم نفسه». 
وها هو أيضاً يُغلّظ القول على آخر وصله عنه ما يسيء إلى عمله الذي به أوكل في زمن الإمام: «أما بعد، فقد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك.. فارفع إليّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس، والسلام». هذا غيض من فيض بلاغة العرب ونحوهم الإيجاز في كلامهم ما تطلّب الأمر منهم ذلك. فكلّما تقدّم الفعل تراجع القول وتكثّفت مادّته. 
فماذا عن عرب اليوم؟ للحديث تتمّة..  
أخبار ذات صلة