بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

18 كانون الأول 2020 12:00ص ليس لدي ما أحدثكم به!

حجم الخط
حتى وقت قريب كان خيط الزمن يكرّ أمامنا وأمنياتنا تلحق به كأنها قطط صغيرة تلهو خلف بكرة صوف. ثم فجأة توقف اللهو. بالأحرى بدا لنا اخيراً أنه لم يكن شيئاً آخر. دار الخيط إلى الوراء والتف حول أشياء اعتقدنا أننا نسيناها منذ زمن طويل. ثمة من شدّه بالتأكيد فأرجعنا معه كعقارب لم يبق أمامها سوى لدغ بعضها. أصابع خفية تعوّدت في كل مرة على تحضير المسرح للعروض الكبيرة. والدمى جاهزة لتغيير حركاتها بليونة فائقة. على المتفرجين أن يضحكوا إن استطاعوا أمام مشهد التحولات أو أن يحبسوا أنفاسهم لحينٍ ليس ببعيد، سيتغيّر فيه العرض على خشبة الخلاص مرتين بين الشهيق والزفير. يوم تحلم العيون من غير أن تُسدل ستائرها الخشبية. لكنني حتى يجيء موعد اللاموعد رأيتني أنام. وليس لدي ما أحدثكم به غير منامي. 

أنام وأحلُمُ أنّ مدينتي أراها من فُوّهة دخانٍ، الأبنيةُ شموعٌ للخوف، والبارودُ يغمرُ كاحلَ البحر المرتعِش. وأذكرُ أن عشرين موجةً صدَّت عنّي الرصاص وسبَحَتْ في دمي. وكان شعرُك ليلاً مجنوناً بالطائرات. وكنتُ أحدّثك عن الموت السريع، أسرعَ من الصوت. وكانت دموعُك تُبلّل وسادتي كعشبٍ جريح، فأستيقظُ من نومي مملّحَ العينيْن، بين شفاهي خرابٌ، وأنظرُ من نافذتي إلى الشارع، فأراني طفلاً يفتحُ ذراعيْه للمطر، ويتفرّسُ في وجهي المعلّق كالأنفاس على زجاج غرفتي في الطابق المهجور من السماء. أخبرتُك كم مرةً وقعَ وجهي في الأحلام، وكم مرةً داس عليه المارّون في الشارع على عجل. وكنت تسألينني عن الحرب متى تنتهي، ومتى تنامُ البنادقُ في مدينةٍ تقاومُ النوم حتى الفجر. قلتِ لي: لكنّ الحربَ لم تقتُلكْ. قلتُ: سوف تقتُلني الحرب. فهل انتهتْ الحربُ حتى تنساني هَهُنا؟ قلتِ: تخافُ الحربَ إذن؟ قلتُ: أخافُ أن تخافَني الحربُ فتقتلني. قلتِ: أتخافُ الموتَ؟ قلتُ: أخافُ ألا يعرفَني الموتُ فيتركني للحرب. قلتِ: وهل يزيدُكَ الخوفُ إلا خوفاً. قلتُ: بل يزيدُني الخوفُ هباءً.

أخبار ذات صلة