بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

28 تشرين الأول 2022 12:00ص مأساةٌ ألا تعرفَ كم السّاعةُ الآن

حجم الخط
المأساةُ هي ألا تعرفَ كم السّاعةُ الآن. أن تنهضَ من سريرك ولا تبارحُه؛ لأنّك نسيْتَ المكانَ من حولك. أن تعصرَ ذاكرتكَ بيديْن جافّتيْن، فلا يخرجُ منها سائلٌ تشتهيْه. أن تتفحّصَ جسدك المتداعي، فلا تعثرَ على مكان القلب فيه. وأن تنظرَ إلى الجدران بتفرُّسٍ، فتراها تنظرُ إليك بحسْرة. أن تفتحَ كتاباً بجانب الوسادة، فلا تجدُ فيه حُلماً يُشبهُك. أن تناديَ على اللاشيء، فيتأخّرُ عنكَ الصّدى. أن تذهبَ إلى المرحاض بخطواتٍ جريحة، وتعودَ مضرّجاً بصَمْتكَ الثقيل. أن تبكيَ، فلا تجدَ دمعاً يكفيك. أن تحزنَ، فلا تعرف أيُّ الأشياء أحقّ. أن تندمَ، فلا تدري من أين تبدأ. 
أنتَ وحدَك في المأساة، أنتَ المأساة، وهي شخصُك المولود قبيل الوفاة. لم يبقَ لخلاصِك إلا نافذةٌ وباب. وحمَامٌ يرقصُ على إيقاع ألمك. تتذكّر البحرَ، وتقولُ في نفسِك، تقول لنفسِك: ما أكبرَك أيّها البحرُ، أرجعنْي إليك! الملحُ فاضَ بي عن أيّامي أيّها البحرُ الشغوفُ بالأحياء، فخُذْني إليك ملْحاً إضافياً، أو حصّةً لأسرارك المائيّة، أو صدَفَةً لزينة الأعماق. يوجعُني الطّينُ أيها البحرُ، فأغرقْني في تسابيحِكَ اللازورديّة، أو ارمني خاتماً من موجٍ بين أصابعِ شواطئك المخفيّة. 
وكنتَ هادئاً في المأساة، كأنّك في عين العاصفة. تقذفُ بكَ الظنونُ عن احتمالاتها الملوّنة، ويخطفُ اليقينُ عينَيك إلى بياضٍ لا يُحتمَل. جسمُك لكَ الآن، وظلُّك الوحيدُ في المرآة. لا أحدٌ سيجرُّ ذكراك، خيطاً من نايات أو سرباً من حنين الفراشات إلى الحقل. وتصحو على موتٍ ينتظرك. لكنّ المأساةَ هي ألا تعرفَ كم السّاعةُ الآن.
أخبار ذات صلة
أزمة وجود
20 نيسان 2024 أزمة وجود
ما حدا تعلّم!
17 نيسان 2024 ما حدا تعلّم!