بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

7 تشرين الأول 2022 12:22ص مظلة الذكريات

حجم الخط
أقبِلْ أيّها الشتاءُ، يا مطرَ تشرين الحزين؛ كي أقفَ وحيداً تحت مظلّة ذكرياتي. الشوارع تسيل، والسيارات تختنق، والأولاد يركضون بحقائبهم المدرسيّة الملوّنة. الكلّ يبحث عن سقفٍ تحت هذا العالم. وهناك صبيٌّ بلّله الانتظار. في يده غصنٌ أخضر. يمشي. بجانبه لا أحد. فرحاً بقدميه الحُرّتيْن، يركلُ حبّات الماء على طول الطريق. الحذاء أسود. والجوارب بيضاء. فمن أين يأتي الرماديّ إلى ريَشنا الصغيرة؟  أيّتها السماءُ الرقيقة انهمري فوق رأسي المُضرّج بالصّور ومرايا التّعب. اغسلي عتبات روحي الكثيرة، وقمصان أحلامي الواسعة. وطرّزي بأهداب عينيك الكحليّة مواعيدَ بيضاء لي مع الذين عبروني جسراً إلى الصّحو الأخير. 
جدار الصمت عال. وهذا الصبيّ لا ينجح كأترابه في تسلّقه. ماذا يفعل؟ سأجعله في ظهري حتّى أكبر!
وأنت يا سيّدي البرْد افرغْ ما في جعبتك في قلبي؛ كي يتغطّى ثانيةً بالحقيقة. وأنتِ يا ريحُ هُبّي من جرح أعماقي واقتلعي شجرة الصيف في دمي. وأنت أيّها البحر افرش موجك تحت مراكب أوجاعي كي تنأى عن سواحلي قليلاً. وأنت أيّها الإسفلت تشَرَّب كل المياه الساقطة عليك كي لا أضع فوقك بعد اليوم خطايَ الثقيلة. وأنتِ أيّتها الزّحمة العابسة في الصّباح خذي منّي دخان ابتساماتي المحترقة كي أنسحب بسلام خلف ستارة الدموع. الصبيّ وسط الزّحام. دماء على الجدران. وجوهٌ تتكدّس خلف مكنسة الحرب الكبيرة. رصاص ملوّن الاتجاهات. وبزّات مرقّطة بحروف العلّة. من يرفع أصابع الحديد عن وجنتيْ طفولتي، وعن صدر مدينتي؟ وأنت أيّها الشجر العالي اسكب في عيوني صمتك المزركش بالأجنحة كي أطيرَ مثلك فوق قرميد اللغة. وأنت أْيّها الليل اعرني رداءك الطويل كي أجر ورائي إلى غير سماء  نجوم التيه. الصبيّ في الغابة يكسر حطب العودة بحجر الأحزان. الهواء بابي المفتوح. والهاوية عتبة الدار. في الغابة لا ذئب سواي. وأنت يا كلّ شيء لست لي، اترك من وقتك حصّة قصيرة لجثّتي. أيها الشتاء هلّم إليّ فهَأنا انتظرك بكامل جفافي.علّقني دميةً على حبالك الفضيّة لطفل كنتُه، ولا تخفْ عليّ من السقوط. فأنا من تراب. وليس لي من ذكرى، حين يمشون فوقي غير مكترثين بي، سوى رائحة البدايات، حين تسقي يدك السخيّة التراب، ترابي.
أخبار ذات صلة